العلاج الوهمي: حقيقة أم خيال؟ كل ما تريد معرفته عن البلاسيبو
Placebo
ما هو العلاج الوهمي Placebo؟ وما هو رأي الطب به؟ تعرف هنا على أهم 3 تجارب أجراها العلماء على العلاج الوهمي، وماذا بشأن العلاج الوهمي في ثقافتنا العربية؟
العلاج الوهمي (Placebo)؛ لم يظهر العلاج الوهمي البلاسيبو كمصطلح طبي حتى أواخر القرن 18، إلا أنه منذ القدم أكدت معظم الحضارات القديمة على قدرة عقلنا البشري على الشفاء من الأمراض، ودور الطاقة الإيجابية في تحسين الصحة، فظهر العرّافون، وطب الأعشاب، وادّعى بعض الناس الشفاء بسببهم، وفي العصر الحديث كانت هذه الظواهر محور دراسة لدى الأطباء والباحثين وأجريت عديد التجارب على العلاج الوهمي؛ لمحاولة تفسيرها. فما هو العلاج الوهمي؟ هل هو حقيقة أم خيال؟ وما رأي الطب به؟ وما هي أهم 3 تجارب بشأنه؟ وما تفسيره؟ تعرف معنا في هذا المقال على كل ما تريد معرفته عن البلاسيبو.
قائمة المحتويات
ما هو العلاج الوهمي placebo؟
Placebo العلاج بالوهم: مادة تعطى للمريض بهدف علاجه، ولا يكون لها تأثير حقيقي في العلاج، فيتم إيهامه بأن هذا الدواء الذي يتناوله يحمل شفاء لمرضه وأنه علاج فعّال في التخلص منه؛ أي أنه أي علاج يبدو كعلاج طبيعي ولكنه ليس كذلك بالواقع ويمكن أن يكون حبوب أو حقن أو غيره من أنواع الدواء الزائف، والقاسم المشترك بين الأدوية الوهمية هي أن أيّ منها لا يحتوي على مادة فعالة لها تأثير على الصحة.
“اطلع على: علامات تدل على ذكاء طفلك“
تجارب العلاج الوهمي
أجرى الأطباء والباحثون العديد من التجارب، وسنستعرض أهم 3 تجارب أجراها العلماء على العلاج بالوهم:
تجربة Henry K Beecher
خدم بيتشر في الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية، وعندما كان على خط الجبهة وبدأت إمدادات المورفين تنفد، رأى بيتشر ممرضة تحقن جندي جريح بالمياه المالحة بدل المورفين قبل إجراء عمل جراحي للجندي الذي اعتقد أنه مورفين حقيقي ولم يتألّم. بعد انتهاء الحرب، استعرض بيتشر 15 تجربة تعتمد على الوهم لمعالجة الآلام وبعض الأمراض الأخرى، وضمت دراساته أكثر من ألف مشارك ووجد أنه تم تخفيف 35% من أعراض المرض لدى المشاركين، ونشر مقالته المشهورة The Powerful Placebo. [efn_note]THE POWERFUL PLACEBO, jamanetwork.com, 15/05/2023[/efn_note]
صمدت تجربة بيتشر حتى عام 1990 عندما شكك بعض الباحثون في تقديراته، معتبرين أن المرضى الذين تعافوا أو خفت أعراض المرض لديهم ربما كانوا سيتعافون حتى لو لم يأخذوا هذا العلاج، وهذا هو المبدا الذي اعتمدت عليه تجربة الباحثان Asbjorn Hróbjartsson و Peter Gotzsche. [efn_note]Powerful Placebo Effect, sciencedirect.com, 15/05/2023[/efn_note]
تجربة الباحثان Asbjorn Hróbjartsson و Peter Gotzsche
أجرى الباحثان تجربتهما على ثلاث مجموعات من المرضى: مجموعة تلقت الدواء الحقيقي، ومجموعة تلقت الدواء الوهمي، ومجموعة لم تتلق أي علاج، ثم فحصوا ما إذا كان تناول الدواء الوهمي أفضل من عدم القيام بأي شيء، فوجدوا أن تأثير العلاج الوهمي ضئيل وخلصوا إلى: “إن هناك القليل من الأدلة على أن الأدوية الوهمية لها تأثيرات أكلينيكية قوية” ونشروا نتائجهم في مقالتهم التي ناقضت مقالة بيتشر بعنوان: هل الدواء الوهمي ضعيف؟ [efn_note]Is the Placebo Powerless?, nejm.org, 15/05/2023[/efn_note]
التجارب الجراحية، وأشهرها: تجربة الجراح بروس موسلي
أجرى تجربته على 180 مريض يعانون من آلام شديدة في الركبة، وفشلت الأدوية في معالجتهم، فأعطى نصفهم تنظير مفصل حقيقي والنصف الآخر تنظير مفصل وهمي، فتم تخدير المرضى وإحداث شق صغير في ركبهم دون إصلاح للغضروف المتضرر، ولا تنظيف لشظايا العظام، ولم يبلغ أي مريض إلى أي مجموعة ينتمي، وكان حديث الممرضين والأطباء حقيقي على مرضى المجموعتين لإيهام المرضى جميعهم أنهم أجروا جراحة حقيقية، وكانت النتيجة: نجاح الجراحة المزيفة إلى جانب الجراحة الحقيقية.
“قد يهمك: دايت بالأيس كريم“
ما رأي الطب بالعلاج الوهمي؟
لم يعد استخدام العلاج الوهمي معتمدًا رسميًا من قبل منظمة الصحة العالمية أو أي جهة طبية رسمية أخرى، واعتبرت ممارسته عمل “لا أخلاقي” وغش تجاري؛ باعتبار أنه يبيع الوهم على أساس أنه دواء حقيقي.
لكن في الوقت ذاته يتم دراسة تأثير الدواء الوهمي في معظم التجارب العلاجية الجديدة بهدف التحقق من فعالية الدواء الأصلي دون معرفة أي من المرضى والباحثين بالدواء الأصلي من الدواء الوهمي، مثل: تجربته في أبحاث كورونا الأخيرة.
بناءً على ما سبق نجد أن هذا العلاج قضية جدلية انقسم حولها رأي الأطباء إلى ثلاثة أقسام:
- فريق أيده ودعا إلى إعادة اعتماده لما أظهره ـ حسب رأيهم ـ من فوائد ساعدت في شفاء المرضى.
- فريق عارضه وشكك بفعاليته، ورأى فيه خطورة على صحة المرضى، وقالوا أنه قد يخفي الفائدة العلاجية للأدوية الحقيقية.
- فريق اتخذ جانباً محايداً ودعا إلى استعماله بصورة محدودة في بعض الحالات تحت إشراف طبيب مختص.
“ماذا عن: متلازمة المحتال؟”
ما تفسير “البلاسيبو”؟
فيما يخص تفسيره فهذا سوف نتناوله في التالي:
-
توقع الشخص
واحدة من أكثر النظريات شيوعًا هي أن تأثيره يرجع إلى توقعات الشخص، فإذا كان الشخص يتوقع أن يفعل الدواء الوهمي شيئًا ما، من الممكن أن تسبب كيمياء الجسم آثارًا مشابهة لما قد يسببه الدواء. يرى الخبراء أن هناك علاقة بين مدى قوة توقع الشخص للحصول على نتائج وما إذا كانت النتائج تحدث أم لا، فكلما كان الشعور أقوى زادت احتمالية تعرض الشخص لتأثيرات إيجابية
كما قد يكون هناك تأثير عميق بسبب التفاعل بين المريض ومقدم الرعاية الصحية؛ ولهذا يُنصح الأطباء بتكوين علاقة إيجابية مع مرضاهم، وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة بين المريض وذويه، وأبرز الحالات التي يعتبر فيها العلاج الوهمي فعالًا هي:القلق، الألم، الاكتئاب، السعال، داء باركنسون. هذا التأثير نتيجة إطلاق الجسم لكمية كبيرة من هرمون الدوبامين فيعالج نفسه بنفسه، فهناك ارتباط وثيق بين العقل والجسم، والغريب بالأمر أن بعض الناس تتحسن صحتهم حتى عندما يعلمون أنهم يتناولون دواءً وهميًا.
الجدير بالذكر أن نفس الشيء يحدث لو كان الناس يتوقعون آثارًا سلبية، فلو توقع الشخص تعرضه للنعاس أو القلق أو أي عرض سلبي نتيجة تناوله الدواء الوهمي، فإن نسبة حدوث هذا الأمر ستكون أكبر، ويعترف الكثير من الأطباء أنهم يصفون لمرضاهم أدوية طبية بانتظام، كما أثبتت الدراسات أن أقراص الدواء الصفراء والحمراء والبرتقالية لها تأثير منشط، بينما الأزرق والأخضر لهم تأثير مهدئ، وهو ما يؤكد ارتباط العلاج الوهمي بالحالة النفسية، فيما يتم التأكيد أنه يجب على الطبيب إبلاغ المريض أنه سيأخذ دواءً وهميًا وذلك من أجل احترام الاستقلالية.
إن ارتباط تأثر العلاج الوهمي بالتوقعات لا يجعل منه خياليًا، فقد أثبتت الدراسات أن هناك تغيرات جسدية فعلية تحدث مع تأثير الدواء الوهمي، فقد تم توثيق زيادة في معدل إنتاج الجسم للأندروفين (Endorphins) وهو أحد مسكنات الألم الطبيعية في الجسم؛ أي أن العلاج يتم فعلًا ولا يتوهم الناس ذلك.
-
التكيف الكلاسيكي
النظرية الثانية هي: التكيف الكلاسيكي الذي يعتمد على مبدأ تعلّم الجسم، فمثلًا عند تناولك حبة معينة لمعالجة حموضة المعدة، يمكن لعقلك ربط هذه الحبة بمعالجة الانزعاج الناتج عن حموضة معدتك، وإذا تناولت قرصًا وهميًا مشابهًا لها فما يزال بإمكانك الشعور بتراجع أعراض حالتك بسبب هذا الارتباط.
-
العادات الجيدة
أيضًا تعتبر أساليب المساعدة الذاتية في العلاج إحدى الطرق في تحسين نتائج أي علاج وذلك عن طريق: تناول الطعام الصحي، التأمل، ممارسة الرياضة بانتظام، الابتعاد عن مسببات القلق والتوتر، النوم الصحي وغيرها.
هل يستجيب جميع الناس للعلاج الوهمي بنفس الدرجة؟
تجدر الإشارة إلى أن تأثير البلاسيبو يختلف حسب الثقافات والطباع الشخصية للمرضى، فقد وجد أن تأثير الدواء الوهمي لعلاج قرحة المعدة منخفض في البرازيل ومرتفع في ألمانيا، ومع ذلك فإن تأثير الدواء الوهمي البلاسيبو لعلاج ارتفاع ضغط الدم هو أقل من أي مكان في العالم.
“تعرف على:كيفية الوقاية من فيروس كورونا“
العلاج الوهمي في ثقافتنا العربية
في ثقافتنا العربية هنالك الكثير من المؤشرات التي تدل على فعالية العلاج الوهمي، فقديمًا قد قيل: “تفاءلوا بالخير تجدوه” وقال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: “دواؤك فيك وما تبصرُ، وداؤك منك وما تشعر”.
كما نجد تأثر الكثير من الناس بالطب البديل، وادعاء عدم تحسنهم من مرض ما إلا بعد تناول وجبة معينة، فمثلًا ربما تكون سمعت أو صادفت شخص يدعي أنه لم يتحسن عند مراجعته لواحد من أشهر الأطباء في معالجة الصداع، ولكنه شعر بتحسن كبير عند اتباعه لوصفة ما أعدّها أحد العطارين، أو ربما شعرت في إحدى المرات التي توقفت فيها وأنت تقلب في الإنترنت براحة لطيفة عند مشاهدتك لأحد مقاطع التدليك المنتشرة على الشبكة، إضافة لزوال أعراض الاكتئاب عند نسبة كبيرة منا عند رؤيته لشخص يحبه، فضًلا عن شعورنا بالتحسن والارتياح بعد الصلاة؛ هذا كله يندرج ضمن إطار التأثير الفعال للعلاج الوهمي.
ختامًا في نهاية الحديث عن العلاج الوهمي “Placebo”، ننصحك عزيزي القارئ بالمحافظة على صحتك النفسية، وطاقتك الإيجابية، والابتعاد عن التفكير السلبي والإحباط، ونذكرك بأن كل المعلومات الواردة في هذه المقالة هي لزيادة الثقافة لديك، آملين أن لا تؤثر في فعالية تلقيك الدواء الحقيقي، ونؤكد أنها ليست مقصودة أو ضمنية لتكون بديلًا عن المشورة الطبية المهنية أو التشخيص أو العلاج، كما نشدد على أهمية الرجوع للطبيب المختص في كل الحالات.