استقبال صدام حفتر في أنقرة: مشهد غير متوقع
Saddam Haftar received in Ankara
تحليل لزيارة صدام حفتر إلى أنقرة وتحوّلات الصراع الليبي، في ظل تفاهمات تركية-روسية قد تعيد رسم خريطة النفوذ في ليبيا والمنطقة، تفاصيل استقبال صدام حفتر في أنقرة

استُقبل صدام حفتر، نجل المشير خليفة حفتر، استقبالًا رسميًا ومهيبًا في تركيا. جلس في “صدر البيت” كما يُقال، واستُقبِل على “الحتبة”، وكأنّه ضيف شرف طال انتظاره. استُقبل بتحية عسكرية، وكان وزير الدفاع التركي في انتظاره، وسط مظاهر ترحيب كبيرة، وكأن الطرفين لم يتقاتلا منذ سنوات، وكأن أنقرة لم تكن تدعم خصوم والده في ليبيا.
قائمة المحتويات
الزيارة المفاجئة: ما الذي تغيّر؟
يبدو أن هذه الزيارة لم تكن عادية، ولا عابرة. زيارة نجل حفتر إلى أنقرة تمثل تحوّلًا لافتًا في المشهد الليبي. فما الذي تغيّر حتى تنفتح تركيا على من كانت تقاتلهم قبل سنوات؟ لنفهم هذا التحوّل، نعود إلى بدايات الأزمة الليبية بعد الثورة على نظام معمر القذافي، حين تدخل حلف “الناتو” وساهم في إسقاط النظام. بعد ذلك، سيطرت الميليشيات والفصائل المسلحة على معظم المدن، وأصبح لكل مدينة ذراع عسكرية خاص بها، مما جعل توحيد ليبيا خلف جهة واحدة أمرًا مستحيلًا.
رغم ذلك، توصل الليبيون إلى اتفاق رعته الأمم المتحدة، أتاح تنظيم انتخابات عام 2014، ولكن نتائجها لم ترُق للتيارات الإسلامية المسلحة، التي كانت الأقوى تسليحًا، فاندلع الانقسام وحدث انقلاب سياسي. نتج عن ذلك جيشٌ في الشرق الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، واحتضن مجلس النواب المنتخب. في المقابل، شكّلت ميليشيات الغرب حكومة منافسة بدعم خارجي، في مقدّمته تركيا. في عام 2019، شنّ حفتر عملية عسكرية لاقتحام طرابلس، واقترب من مشارفها، قبل أن تتدخل تركيا لدعم حكومة الغرب، وتنجح في صد الهجوم. ردت مصر، حليفة حفتر، بدعم الشرق وإيقاف التقدم المضاد.
“قد يهمك: كيف يضمن خط الأنابيب هذا الذي تبلغ قيمته 25 مليار دولار استقلال كندا“
الدور الروسي في تشكيل التوازن
منذ سنوات، كانت روسيا تقدم دعمًا واضحًا للمشير حفتر، وساهمت في بناء قدرات “الجيش الوطني”، مما جعلها طرفًا مؤثرًا في التوازن القائم بين شرق مدعوم من مصر وروسيا، وغرب مدعوم من تركيا. نهاية عام 2024، شهدت سوريا تطورًا كبيرًا، حيث تمكنت المعارضة السورية المدعومة من تركيا من إسقاط نظام بشار الأسد، وسط صمت روسي لافت، حتى أن بعض التقارير تحدثت عن نقل روسيا معداتها من سوريا إلى ليبيا. هذا التحوّل أثار تساؤلات عن تفاهمات روسية-تركية أوسع، تشمل ليبيا، وربما تعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة.
صفقة روسية – تركية محتملة: ما ملامحها؟
زيارة صدام حفتر لأنقرة قد تكون جزءًا من صفقة كبرى بين روسيا وتركيا. فبحسب تسريبات، وافقت أنقرة على دعم الجيش الوطني بقيادة حفتر كجيش موحد لليبيا، في مقابل ضمانات روسية لمصالح تركيا. يبدو أن الطرفين اتفقا على تعزيز التعاون العسكري، وربما تسليم الغرب الليبي للشرق، في حال انسحاب تركيا من هناك، على غرار ما حدث في سوريا وأرمينيا.
كما تنازلت روسيا عن سوريا لصالح تركيا، وعن أرمينيا لصالح أذربيجان المدعومة من أنقرة، فقد تكون ليبيا مسرحًا لتنازل تركي مقابل شراكة نفوذ أوسع. ولكن، هل ليبيا تُعَدّ ثمناً مناسباً؟ في الواقع، سوريا وأرمينيا أكثر أهمية استراتيجية لتركيا، فهما بلدان حدوديان، ولها معهما ارتباطات تاريخية واقتصادية، أبرزها مشروع الغاز القطري الذي يُخطط لعبوره عبر سوريا نحو أوروبا.
“قد يهمك: سيارة الـفولكس فاغن التي دمرت لبنان وقتلت ربع مليون من شعبه“
بالنسبة لروسيا، فليبيا تمثل بوابة أفريقيا ومقرًا للفيلق الروسي الذي يشرف على مصالح موسكو بالقارة. قربها من أوروبا يجعلها نقطة ضغط استراتيجية على الغرب، وهي أيضًا غنية بالموارد وتتمتع بموقع جغرافي يُغري الروس الذين يسعون دائمًا إلى “المياه الدافئة”.
كل المؤشرات تدل على أن صفقة تركية-روسية في ليبيا باتت ممكنة. قد تكون زيارة صدام حفتر بداية علنية لهذا التفاهم، الذي ستكشف الأيام المقبلة عن تفاصيله. فهل يُعاد رسم خريطة ليبيا، كما رُسمت من قبل في سوريا والقوقاز؟