نبي الله يونس عليه السلام؛ النبي المرسل لأهل نينوى صاحب القصة المليئة بالعبر

يونس عليه السلام؛ قصص الأنبياء الذين جاؤوا قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم أخبرنا الله تعالى ببعضها في القرآن الكريم، ففي قصصهم عبرة وعظة لأولي الألباب وأيضًا تثبيتًا لفؤاد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقلوب كل المؤمنين، قال الله تعالى (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) {هود: 120}، وهنا في هذا المقال سنذكر قصة نبي الله يونس عليه السلام صاحب القصة الفريدة المليئة بالعبر والعظات بشكل مبسط، كما سنذكر أيضًا فضل دعاء يونس عليه السلام.

نسب نبي الله يونس عليه السلام

قبل التعرف على قصة يونس عليه السلام المرسل لأهل نينوى، نذكر في البداية ما وصلنا من نسبه، فهو يونس بن متىّ ويعود نسبه إلى النبي سليمان عليه السلام ويتصل ببنيامين شقيق النبي يوسف عليه السلام، ويُقال إن متىّ هي أمه ولم ينسب أحد من الأنبياء إلى الأم إلا يونس وعيسى عليهما السلام، وقيل إن متى هو أبوه، والله أعلم بالصحيح من هذا.

“تعرف على: طرق استقبال رمضان 2023″

رسالة يونس عليه السلام

يونس عليه السلام نبي الله ورسوله أرسله الله تعالى لدعوة قومه إلى عبادة الله الأحد، فقد بُعث لأهل نينوى المعروفة بأرض الموصل في العراق، وكان عددهم 100 ألف أو يزيدون كما أخبرنا الله بذلك في قوله تعالى {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} وذلك بعد أن انتشر الشرك وعبادة الأصنام بينهم، لكنهم كذبوه وأصروا على كفرهم، واستمر يونس في دعوة قومه لمدة طويلة من الزمن – قيل إنها ثلاثة وثلاثين سنة – لم يتوقف خلالها عن الدعوة لعبادة الله وترك عبادة الأصنام، وصبر فيها على الإيذاء ولم يلق منهم إلا العناد والتمرد، ولم يؤمن منهم إلا رجلين فقط.

لما طال الزمن بيونس وأصر قومه على الكفر والتمادي في الضلال ورفض دعوته يأس منهم، وأوحى الله إليه بأن العذاب سينزل عليهم بعد ثلاثة أيام إذا لم يؤمنوا بالله تعالى وحده لا شريك له ويتركوا عبادة الأصنام.

“قد يهمك: الأشهر الحرم؛ لماذا سميت بهذا الاسم؟”

يونس في بطن الحوت

بعدما وعد يونس عليه السلام قومه بالعذاب إذا لم يؤمنوا بدعوته، تعجل وخرج من قريتهم غاضبًا يائسًا منهم أسفًا على ما سيحل بهم، ولم ينتظر أمر الله ظنًا منه أن الله لن يؤاخذه على ترك قومه قبل أن يأمره بالخروج.
قال الله تعالى ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [الصافات: 139 – 148].

ذهب النبي يونس إلى الشاطئ فوجد قومًا على متن سفينة مليئة بالبضائع ويستعدون للإبحار، فطلب منهم أن يأخذوه معهم على السفينة، وتوسم هؤلاء القوم فيه الصلاح ووافقوا على اصطحابه معهم وبدؤوا بالإبحار، وعندما أصبحوا في وسط البحر إذا برياح شديدة تهاجم السفينة وهاج البحر وعلت الأمواج على غير عادة في مثل هذا الوقت، وأثقلت الأمواج السفينة، وراحت تهتز بقوة.

هنا قام من في السفينة بإلقاء ما معهم من حمولة أملًا في النجاة، ولكن لم يفلحوا فأجمعوا بعد التشاور على تخفيف الحمولة من البشر عن طريق القرعة حتى لا يغرق الجميع، فمن يقع عليه السهم يلقونه في البحر، واقترعوا ووقعت القرعة على يونس عليه السلام، ولكنهم لم يريدوا أن يلقوه، فاقترعوا ثانيًا ووقعت القرعة عليه مرة أخرى، وأعادوها مرة ثالثةً وفي كل مرة تشير إلى نبي الله يونس عليه السلام وكأنه المقصود وليس السفينة، وبالفعل قرر النبي يونس إلقاء نفسه من على السفينة، وكان القوم بالسفينة يأبوا أن يلقونه في البحر.

بعد أن ألقى يونس بنفسه في البحر، أرسل الله إليه حوتًا عظيمًا فالتقمه، وأمره الله أن لا يأكل له لحمًا ولا يهشم له عظمًا، واستقر نبي الله في بطن الحوت وطاف به البحار كلها، وكان يسمع أصواتًا لا يفهمها فأوحي الله إليه أنها تسبيح الحيتان، فندم على ما فعل وهجره قومه قبل أمر ربه ونادى في الظلمات (ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت وظلمة الليل الحالكة) دعائه الشهير: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وظل يستغفر ويدعو ربه بهذا الدعاء، وسمعت الملائكة دعائه وسألوا الرحمن عن صاحب هذا الدعاء، فأخبرهم الله أنه يونس بن متى فشفعت له الملائكة عند ربها واستغفروا له.

• استجاب الله لدعاء يونس وأذن له بالفرج ونجاه من الغم، وأمر الحوت أن يلفظه ويلقيه إلى الساحل، ولولا أن يونس كان من المسبحين للبث في بطن الحوت إلى يوم البعث.
• ألقى الحوت بيونس عليه السلام على شاطئ البحر في العراء في مكان خالي من الأشجار، فأنبت الله عليه شجرة اليقطين ذات الأوراق الكبيرة، فاستظل بظلها من أشعة الشمس الحارقة وأكل من ثمارها حتى استرد عافيته بفضل الله ورحمته.
• أمر الله تعالى يونس عليه السلام بالعودة إلى قريته.

المدة التي لبثها يونس في بطن الحوت غير معلومة، فاختلف المؤرخون فيها: منهم من قال ثلاثة أيام وقيل سبعة وقيل غير ذلك، والله تعالى وحده أعلم بالصحيح من ذلك.

“اطلع على: الدواوين في الدولة الإسلامية“

---

حال قوم يونس بعد خروجه من قريتهم وكيف وجدهم عندما عاد

قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس: 98]. بعد خروج يونس عليه السلام من نينوى، شعر أهلها باقتراب وقوع العذاب عليهم، فندموا على ما فعلوا بنبي الله يونس عليه السلام، وتابوا إلى الله جميعًا كبيرهم وصغيرهم.

اجتمعت القرية كلها حتى الحيوانات في ساعة عظيمة ومشهد مهيب يبكون ويستغيثون إلى الله تعالى ويتضرعوا أن يكشف عنهم العذاب، فقبل الله العظيم الرحيم توبتهم وتاب عليهم، ونجا قوم يونس من العذاب، ولم تؤمن قرية بأكملها كما آمنت قرية يونس عليه السلام، وعندما عاد إليهم يونس عليه السلام وجدهم على غير الحال التي تركهم عليها، فقد أصبحوا مؤمنين عابدين لله وحده لا شريك له، منتظرين عودته ليتبعوه وليعلمهم أمور دينهم.

“اقرأ كذلك: تعريف الحضارة الإسلامية“

---

فضل دعاء يونس عليه السلام

دعاء يونس عليه السلام أو دعوة ذي النون الذي دعي به ربه وهو في الظلمات في بطن الحوت فاستجاب الله تعالى له ونجاه برحمته من الغم، قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم {دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له}. [efn_note]دعوة يونس عليه السلام يستجيب الله للداعي بها, islamweb.net, 18/02/2023[/efn_note]

“قد يهمك: التعامل مع الطفل العنيد“

العبر المستفادة من قصة نبي الله يونس عليه السلام

تشمل العبر المستفادة من قصة النبي يونس عليه السلام أحد قصص الأنبياء المحببة للأطفال التالي:

• الصبر وعدم الاستعجال وعدم اليأس والثبات في الدعوة إلى الله تعالى.
• عدم الاستسلام لشعور الغضب، وعدم أخذ قرارات وقت الغضب.
• الإخلاص والصدق في التوبة لله؛ فهذا ما أنقذ القرية من العذاب.
• لزوم الدعاء والاستغفار والتسبيح في كل وقت وخاصة وقت الضيق؛ ففيهم نجاة من الغم وتفريج للكرب.

---

هنا قد انتهينا من سرد قصة نبي الله يونس عليه السلام صاحب الحوت المليئة بالعبر والعظات كما وردتنا في القرآن الكريم وكتب السنة النبوية والتاريخ، كما تعرفنا على فضل دعاء يونس عليه السلام. يجب تعليم الأطفال قصص الأنبياء والصالحين لكي ينشئوا على حبهم بدلًا من تنشئتهم على حب شخصيات الكرتون والتافهين من لاعبي الكرة والممثلين.