الولايات المتحدة لا تركز على العملات الرقمية للبنوك المركزية
The United States is unfocused on CBDCs
حظر الولايات المتحدة للعملة الرقمية للبنك المركزي (CBDC) يثير جدلاً واسعًا، بينما تواصل الدول الكبرى، تطوير مشاريعها الرقمية لتعزيز البنية المالية العالمية.

على مدار عدة سنوات، قام صانعو السياسات في الولايات المتحدة بدراسة ومناقشة وإصدار العديد من التقارير حول مسألة ما إذا كان ينبغي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي إنشاء عملة رقمية للبنك المركزي، أو ما يُعرف بـ “الدولار الرقمي”، دون التوصل إلى قرار نهائي بشأن اتخاذ مسار محدد للعمل.
قائمة المحتويات
العملات الرقمية للبنك المركزي (CBDCs) هي إصدارات رقمية من العملات الورقية التقليدية المدعومة من قبل الحكومات، والتي يتم إصدارها لتعزيز الشمول المالي وتوسيع نطاق الوصول إلى الخدمات المالية مع تحسين كفاءة المدفوعات المرمزة. تساهم هذه العملات في تحسين السياسة النقدية داخل أنظمة المدفوعات العالمية، خاصة في ظل تزايد المدفوعات الإلكترونية المرمزة وتراجع استخدام النقد، حيث توفر المساءلة والاستقرار. كما أنها تقلل من مخاطر عدم الاستقرار المالي الناشئ عن إنشاء أدوات دفع إلكترونية خاصة غير منظمة، مثل العملات البديلة (meme/altcoins)، والأصول المرمزة، أو العملات المستقرة، بالإضافة إلى الحد من الفساد.
هناك نوعان من العملات الرقمية للبنك المركزي: الأولى هي العملة الرقمية للأفراد (Retail CBDC)، وهي مخصصة لاستخدام الجمهور العام، أما الثانية فهي العملة الرقمية للمؤسسات المالية (Wholesale CBDC)، والتي صُممت خصيصًا للمدفوعات بين البنوك ومعاملات الأوراق المالية.
في هذا السياق، صرح فيفيك رامان، الرئيس التنفيذي لمنصة Etherealize.io، والتي تربط المؤسسات المالية بأكبر وأمن نظام بيئي مفتوح ومستدام يعتمد على شبكة الإيثريوم حول العالم، قائلًا: “لا نعتقد أن عملة رقمية للبنك المركزي ستُطلق في الولايات المتحدة في ظل الإدارة الجديدة. فهذه العملة تتعارض مع مبادئ اللامركزية والحرية، ومن الأفضل أن يكون هناك سوق حرة للعملات المستقرة والأصول المرمزة”.
حظر العملة الرقمية للبنك المركزي في الولايات المتحدة
في 16 يناير، أدلى سكوت بيسنت، المرشح لمنصب وزير الخزانة في إدارة الرئيس دونالد ترامب والذي تم تأكيد تعيينه لاحقًا ليصبح وزير الخزانة الأمريكي التاسع والسبعين، بشهادة أمام لجنة المالية في مجلس الشيوخ، أعرب فيها عن معارضته الشديدة لإطلاق عملة رقمية للبنك المركزي (CBDC) في الولايات المتحدة. وقال: “لا أرى أي سبب يدعو الولايات المتحدة إلى امتلاك عملة رقمية للبنك المركزي”، مشيرًا إلى مخاوف تتعلق بالخصوصية والاقتصاد.
عقب هذا الإعلان، وقع الرئيس دونالد ترامب في 23 يناير أمرًا تنفيذيًا يحظر رسميًا إنشاء أو إصدار أو تداول أو استخدام العملة الرقمية للبنك المركزي في الولايات المتحدة. في هذا السياق، صرّح ريت شيب، الرئيس التنفيذي لشركة Avant، التي تقدم خدمات الدولار الرقمي المستقر عبر تقنية البلوكشين، قائلاً: “في رأيي، ستضر العملة الرقمية للبنك المركزي بالولايات المتحدة لأنها ستقلل من فائدة الدولار الأمريكي عبر زيادة الرقابة وتقليل الخصوصية. إن تبني العملات المستقرة هو الخيار الأفضل”.
تطور العملات الرقمية للبنك المركزي حول العالم
يراقب مؤشر المجلس الأطلسي معدل تبني العملات الرقمية للبنك المركزي على مستوى العالم، حيث يتابع تطوراتها في 134 دولة تمثل 98% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. حتى الآن، 66 دولة تستكشف إمكانيات تبني هذه العملات، فيما تتصدر الصين المشهد عالميًا. أما الدول التي أطلقت رسميًا عملات رقمية للبنك المركزي، فهي نيجيريا، جامايكا، وجزر الباهاما.
تعمل هذه الدول على تطوير تشريعات منسقة لتنظيم إصدار وتوزيع العملات الرقمية للبنك المركزي، استنادًا إلى توصيات المنظمات الدولية. مع ذلك، فإن النظام البيئي المعقد لهذه العملات، الذي يشمل البنوك المركزية، البنوك التجارية، مزودي خدمات الدفع، ومطوري التكنولوجيا، يواجه تحديات أمنية إلكترونية متزايدة، خاصة في ظل المخاوف المتعلقة بحماية البيانات والخصوصية، وفقًا لما جاء في الدليل الافتراضي للعملة الرقمية للبنك المركزي الصادر عن صندوق النقد الدولي.
العملة الرقمية الأكثر استخدامًا عالميًا: اليوان الرقمي (e-CNY)
تتصدر الصين السباق العالمي في تطوير أنظمة الدفع الرقمية المرمزة، سواء على المستوى المحلي أو عبر الحدود. فقد بدأت تجربة برنامج اليوان الرقمي (e-CNY) في عام 2019، حيث وصل عدد مستخدمي محافظ العملة الرقمية إلى 260 مليون مستخدم في 17 مقاطعة، مما يجعلها أكبر تجربة لاختبار عملة رقمية للبنك المركزي في العالم.
ووفقًا لما صرّح به لو لي، نائب محافظ بنك الشعب الصيني، فإن إجمالي حجم المعاملات باليوان الرقمي بلغ 7 تريليونات يوان (982 مليار دولار) بحلول يونيو 2024، أي ما يقرب من أربعة أضعاف الرقم المسجل في يونيو 2023، والذي بلغ 1.8 تريليون يوان.
يرجع نجاح اليوان الرقمي إلى الجهود المستمرة للحكومة الصينية لتوسيع نطاق استخدامه، حيث شملت حالات الاستخدام المدفوعات مقابل:
- خدمات النقل العام.
- ضرائب الدخل.
- الرسوم الحكومية والطوابع المالية.
- وحتى تقديم الأموال الرقمية عبر “الهونغباو” (الأظرف الحمراء التقليدية).
لكن جهود الصين لا تقتصر على الداخل، حيث أشار كاني ويغناراجا، الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في آسيا والمحيط الهادئ إلى أن بنوكًا مركزية في كل من الصين، الهند، إندونيسيا، تايلاند، سنغافورة، اليابان، وكوريا الجنوبية بدأت بالفعل في اختبار العملات الرقمية للبنك المركزي.
“تعرف على: سياسات ترامب على سوق العملات المشفرة“
التداعيات العالمية لحظر الولايات المتحدة للعملات الرقمية للبنك المركزي
يتوقع يفان هي، مؤسس Red Date Technology، أن قرار ترامب بحظر العملات الرقمية للبنك المركزي سيؤثر على أي مشروعات أمريكية للعملات الرقمية للأفراد (Retail CBDC) خلال السنوات الأربع المقبلة. لكنه أضاف: “لا أعتقد أن أي دولة ستتمكن من تطوير عملة رقمية حقيقية للأفراد خلال السنوات العشر القادمة”.
تعد شركة Red Date Technology، وهي شركة بنية تحتية سحابية لامركزية مقرها هونغ كونغ، من الشركات الرائدة عالميًا في تطوير مشاريع العملات الرقمية للبنك المركزي، حيث قامت بتأسيس مشروعين رئيسيين:
- شبكة الخدمات القائمة على البلوكشين في الصين (BSN)، وهي منصة حكومية تربط بين شبكات الدفع المختلفة.
- شبكة المدفوعات الرقمية العالمية (UDPN)، والتي تعتمد على البلوكشين والعقود الذكية لإنشاء نظام مراسلات لامركزي يتيح تحويل العملات الرقمية المختلفة بين الدول.
في العام الماضي، أنشأت UDPN “بيئة تجريبية رقمية” (Digital Currency Sandbox) لمساعدة البنوك المركزية والتجارية مثل ستاندرد تشارترد ودويتشه بنك على اختبار كيفية تشغيل نظام عملة رقمية للبنك المركزي، بما يشمل إدارة الحصص، التداول، والمحافظ الرقمية.
يدعم هذا النظام اختبارات العملة الرقمية للبنك المركزي عبر الحدود، إلى جانب العملات المستقرة المنظمة مثل:
- PayPal USD
- Paxos Dollar
- USDC
- Hedera
- Tether
كما يتيح إيداعات رمزية ومدفوعات رقمية مخصصة الأغراض (Purpose Bound Digital Payments) تعمل عبر أنظمة الدفع المختلفة عالميًا.
في هذا السياق، أوضح تيم بيلي، نائب رئيس العمليات التجارية العالمية في Red Date Technology: “العملات المستقرة والعملات الرقمية للبنك المركزي تعيد تشكيل المدفوعات الرقمية، مما يتيح معاملات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. مع تزايد استخدام هذه العملات على تقنية البلوكشين، أصبحت الحاجة إلى دعم أنظمة المدفوعات عبر الشبكات المختلفة واضحة. تعد شبكة UDPN رائدة في هذا المجال، حيث تقدم مفهوم إثبات جدوى (PoC) كخطوة أولى نحو ربط المدفوعات الرقمية ضمن النظام المالي الرقمي العالمي”.
أيضًا أضاف تيم بيلي: “تتيح لنا هندسة UDPN التكامل مع أي نظام عملة رقمية تقريبًا، سواء كان عملة رقمية للبنك المركزي، أو عملة مستقرة، أو إيداعات رمزية، أو مدفوعات رقمية مخصصة الأغراض، مما يسهل اعتماد العملات الرقمية عبر مختلف التطبيقات ويخفض تكاليف الدمج للمؤسسات المالية والبنوك المركزية”.
“قد يهمك: الدعاوى القضائية ضد شركات الكريبتو“
مبادرة العملة الرقمية للبنك المركزي بالجملة في الاتحاد الأوروبي
منذ عام 2020، كان البنك المركزي الأوروبي (ECB) يستكشف إمكانيات العملات الرقمية للبنك المركزي (CBDCs) في مختلف المجالات، بما في ذلك اليورو الرقمي المخصص للأفراد، بالإضافة إلى تسويات المعاملات بالجملة عبر الحدود بين البنوك المركزية.
وفي استجابة مباشرة لحظر الولايات المتحدة للعملة الرقمية للبنك المركزي، أعلن البنك المركزي الأوروبي في 20 فبراير عن توسيع نطاق تطوير نظام المدفوعات بالجملة للعملة الرقمية للبنك المركزي بهدف تسوية المعاملات بين المؤسسات، مما يعزز الانتقال نحو بنية تحتية مالية رمزية متكاملة على مرحلتين:
- المرحلة الأولى: سيقوم البنك المركزي الأوروبي بإنشاء منصة رقمية للجملة (wholesale CBDC platform).
- المرحلة الثانية: سيتم دمج المنصة مع أنظمة أخرى، مثل أسواق صرف العملات الأجنبية، بحيث يمكن للعملات الرقمية للبنك المركزي، والودائع المرمزة، والأصول المرمزة أن تعمل بسلاسة ضمن نظام مالي يعتمد على البلوكشين، سواء من خلال دفتر أستاذ مشترك أو مجموعة من الحلول المترابطة.
هذه المبادرة تتطلب توحيد المعايير والتنظيمات، بدايةً على مستوى منطقة اليورو، ثم ربما على المستوى العالمي لتحقيق تكامل وانسجام أكبر في النظام المالي الأوروبي.
“اطلع على: قمة الكريبتو في البيت الأبيض”
الولايات المتحدة لا تركز على العملات الرقمية للبنوك المركزية: الخاتمة
يواصل مركز الابتكار التابع لبنك التسويات الدولية (BIS)، وهو منظمة دولية تضم البنوك المركزية، العمل مع العديد من الدول لإجراء بحوث حول العملات الرقمية للبنوك المركزية وتنفيذ مشروعات تجريبية عبر الحدود، مع زيادة الاهتمام المدفوع بالتغيرات التي أحدثها جائحة كوفيد-19.
في هذا السياق، أوضح ويليام كويجلي، المستثمر في العملات المشفرة والبلوكشين، والمؤسس المشارك لـ WAX.io وTether: “كل دولة ستتبنى رقمنة القطاع المالي وتنفذ عملة رقمية للبنك المركزي، سواء على مستوى الأفراد أو الجملة، وفقًا لوتيرتها الخاصة. من المؤسف أن يتم انتقاد العملات الرقمية للبنك المركزي في الولايات المتحدة بسبب المخاوف المتعلقة بالخصوصية والتهديدات المحتملة للاستقلالية الفردية. لكن الحقيقة هي أن النمو المتزايد للأصول الرقمية الخاصة والعملات المستقرة سيؤدي إلى تقليل دور البنوك التجارية والبنوك المركزية تدريجياً، حيث يتجه الناس بشكل متزايد نحو البدائل الرقمية المرمزة، بينما تتبنى الدول الأخرى العملات الرقمية للبنك المركزي”.
باستثناء الولايات المتحدة، تعمل 19 دولة من مجموعة العشرين (G20) على تطوير برامج متقدمة للعملات الرقمية للبنك المركزي، بما في ذلك الأرجنتين، أستراليا، البرازيل، بريطانيا، كندا، الصين، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إيطاليا، اليابان، المكسيك، روسيا، السعودية، جنوب إفريقيا، كوريا الجنوبية، تركيا، والاتحاد الأوروبي.
واختتم أوزغور هونكا، تاجر العملات القديمة ومؤسس دار مزادات Bank Costa ومؤلف كتاب “كتالوج الأوراق النقدية للملكة إليزابيث الثانية”، حديثه بنبرة ساخرة: “الخبر السار للدول غير المهتمة بالعملات الرقمية للبنوك المركزية هو أنه لا يزال هناك سوق للأوراق النقدية القديمة والعملات الأثرية”.