لماذا نسبة السرطان منخفضة في الدول العربية والشرق الأوسط
Why is the cancer rate low in Arab countries and the Middle East
تعرف على جواب السؤال لماذا نسبة السرطان منخفضة في الدول العربية والشرق الأوسط؟ تعرف على درو صيام رمضان والتوابل وقلة التدخين وقلة تناول الخمور في ذلك

هذا الموضوع في غاية الأهمية والإثارة، لماذا تسجل الدول العربية والشرق الأوسط بعضًا من أدنى معدلات الإصابة بالسرطان في العالم؟ دعونا نغوص في هذه المقالة في أعماق هذا السؤال. بدايةً، يُطلق على الشرق الأوسط أيضًا اسم “غرب آسيا”. وما يثير الحيرة هنا هو التناقض الظاهري: رغم انخفاض معدلات السرطان في المنطقة، إلا أن معدلات استهلاك السكر فيها تُعد من بين الأعلى عالميًا.
قائمة المحتويات
تناول السكر والإصابة بالسرطان
لقد تناولتُ في عدة مقالات سابقة كيف أن السكر يُغذي الخلايا السرطانية. إذن، يبقى السؤال: كيف تنخفض نسب الإصابة بالسرطان في الشرق الأوسط رغم هذا الاستهلاك الكبير للسكر؟ في الواقع، يستهلك سكان الشرق الأوسط السكر بمعدل أعلى من معظم مناطق العالم الأخرى. نعم، تنتشر في المنطقة مشكلات صحية مثل مرض السكري والسمنة، ولكن من الملفت للنظر أن معدلات السرطان تبقى منخفضة نسبيًا.
على سبيل المثال، إذا أخذنا المتوسط العالمي لمعدلات الإصابة بالسرطان، فسنجد أن 198 شخصًا من بين كل 100,000 شخص حول العالم يصابون بالسرطان. أما في بعض دول الشرق الأوسط، فالصورة مختلفة تمامًا:
- السعودية: 96 حالة من بين كل 100,000.
- اليمن: 97 حالة.
- عُمان: 104 حالات.
- قطر: 107 حالات.
- الإمارات: 107 حالات.
- الكويت: 116 حالة.
بمعنى آخر، إذا كنت تعيش في هذه الدول، فإن خطر إصابتك بالسرطان أقل بكثير من المعدلات العالمية.
وللمقارنة، دعونا نلقي نظرة على بعض الدول التي تسجل أعلى معدلات الإصابة بالسرطان:
- أستراليا: 468 حالة من بين كل 100,000 – وهي الأولى عالميًا.
- أيرلندا: 374 حالة.
- هنغاريا: 368 حالة.
- الولايات المتحدة: 352 حالة.
هذا يدفعنا لطرح سؤال جوهري:ما الذي يجعل الشرق الأوسط فريدًا من نوعه في هذا الجانب؟
شهر رمضان وعلاقته بالسرطان
أول نقطة يمكن الحديث عنها هي الصيام في شهر رمضان. رمضان هو شهر الصيام الديني الذي يمتد على مدار شهر كامل من السنة، والمثير للإعجاب أن الصيام فيه يكون من شروق الشمس حتى غروبها، حيث يتم تناول الطعام فقط قبل الفجر وبعد المغرب. هذا النمط من الصيام يُصنّف ضمن ما يُعرف بـ”الصيام المتقطع“، وإن كان لمجرد شهر واحد، إلا أن له تأثيرًا ملحوظًا في تقليل فرص الإصابة بالسرطان.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال آخر: لماذا يساعد الصيام في الوقاية من السرطان؟ الإجابة تكمن في أن الصيام يُجوع الخلايا السرطانية. هل تعلم أن الخلايا السرطانية تحتوي على مستقبلات للأنسولين تزيد بـ10 إلى 50 مرة عن الخلايا الطبيعية؟ هذا يعني أن الخلايا السرطانية تعتمد بشكل مفرط على الجلوكوز (السكر) كمصدر للطاقة.
لذلك، عند الصيام وانخفاض نسبة السكر في الدم، تُحرم الخلايا السرطانية من “غذائها المفضل”، مما يُضعف من نشاطها أو نموها. بل إن فحوصات مثل PET Scan (التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني) تُستخدم لتشخيص السرطان عن طريق الكشف عن المناطق التي تستهلك كميات كبيرة من السكر في الجسم، لأن السرطان يعشق السكر.
عندما تصوم، فإنك ببساطة لا تستهلك السكر، وهذا يقودنا إلى النقطة الثانية المهمة: الالتهام الذاتي (Autophagy). الصيام يُحفّز عملية “الالتهام الذاتي”، وهي عملية بيولوجية تعمل على إعادة تدوير البروتينات التالفة في الجسم، بما في ذلك الميتوكوندريا (مصانع الطاقة في الخلية) التالفة. وإذا نظرنا بعمق إلى ما يُشكّل السرطان فعلًا، فهو غالبًا ناتج عن خلل في الميتوكوندريا.
عندما تتضرر الميتوكوندريا، فإنها تلجأ إلى نظام مختلف لإنتاج الطاقة، يعتمد بشكل كبير على الجلوكوز. لكن عند الصيام، تُفعل هذه العملية الحيوية التي تساعد الجسم على إعادة تدوير الميتوكوندريا التالفة، مما يُقلل من خطر تطور الخلايا السرطانية.
النقطة الثالثة هي أن الصيام يعزز من قوة الجهاز المناعي. فعند الصيام، يقوم الجسم بإنتاج خلايا مناعية جديدة، بما في ذلك:
- خلايا “T القاتلة” التي تهاجم الخلايا السرطانية والفيروسات بشكل مباشر.
- خلايا “T المساعدة” التي تدعم الاستجابة المناعية وتُسهم بشكل غير مباشر في مقاومة السرطان.
أيضًا الصيام يُعتبر من أقوى الوسائل الطبيعية لمحاربة الالتهاب، ولأن الخلايا السرطانية تنمو في بيئات ملتهبة، فإن تقليل الالتهاب من خلال الصيام يعني تقليل احتمالية انتشار السرطان في الجسم. إضافة إلى ذلك، الصيام يعمل على تعزيز شبكة مضادات الأكسدة في الجسم، وهي التي تحارب الجذور الحرة وتحمي الميتوكوندريا من التلف – وهذا أيضًا يُسهم في تقليل خطر الإصابة بالسرطان.
“قد يهمك: أفضل علاج لضعف النظر والمياه البيضاء“
التوابل في المطبخ العربي
النقطة الثانية التي تفسر لماذا نسبة السرطان منخفضة في الدول العربية والشرق الأوسط هي نوعية التوابل الشائعة في هذه المناطق، والتي تحتوي على خصائص قوية مضادة للسرطان، ومنها:
- الكركم: غني بخصائص مضادة للالتهاب والسرطان.
- الزعفران: يحتوي على مركب نباتي قوي يقاوم نمو الخلايا السرطانية.
- الهيل (الحبهان)، جوزة الطيب، الكمون، القرفة، والكزبرة: جميعها تحتوي على مركبات مضادة للأورام.
إلى جانب التوابل، هناك أطعمة شائعة في الشرق الأوسط لها أيضًا خصائص مضادة للسرطان، منها:
- الحبة السوداء.
- زيت الزيتون.
- الشبت.
- بذور السمسم.
- التمر، ورغم أنني لا أوصي بتناول التمر بكثرة لمن يتبعون حمية الكيتو أو يسعون إلى فقدان الوزن، إلا أن التمر يحتوي على مركبات نباتية ذات فعالية في مقاومة السرطان.
“قد يهمك: الأسباب الحقيقية للنوبات القلبية والجلطات“
انخفاض معدلات التدخين بين النساء
العامل الثالث المهم هو انخفاض معدلات التدخين بين النساء في الشرق الأوسط. صحيح أن معدلات التدخين بين الرجال قد تكون مرتفعة في بعض الدول، لكن معدل التدخين بين النساء منخفض جدًا، ما يُسهم في خفض المعدل العام لاستخدام التبغ وبالتالي تقليل خطر الإصابة بالسرطان. على سبيل المثال، 20% من سكان العالم يدخنون، أي واحد من كل خمسة أشخاص. لكن في العراق مثلًا، فإن نسبة النساء المدخنات لا تتجاوز 3%، مقارنةً بـ20% عالميًا.
- في اليمن، تبلغ نسبة النساء المدخنات 9%، مقارنةً بالمعدل العالمي البالغ 20%.
- في الكويت، النسبة لا تتجاوز 3%.
- أما في السعودية، فهي 2% فقط.
- في الإمارات العربية المتحدة، 0.8% فقط من النساء يدخن – وهذه نسبة ضئيلة جدًا مقارنةً بالمعدل العالمي.
- أما في سلطنة عمان، فالنسبة لا تتجاوز 0.7%، وهي نسبة تكاد لا تُذكر.
للمقارنة، في دول مثل تشيلي تصل نسبة التدخين بين النساء إلى 40%، أي أكثر من ضعف المعدل العالمي، وفي صربيا، النسبة تبلغ 41%. ومن المعروف أن التدخين مرتبط بشكل مباشر بزيادة خطر الإصابة بالسرطان. في الواقع، خطر الإصابة بالسرطان عند المدخنين أو من يمضغون التبغ يزيد بمقدار 22 ضعفًا مقارنةً بغير المدخنين، ويُعتقد أن 25% من جميع حالات السرطان ناتجة عن التدخين أو مضغ التبغ. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ فالسجائر تحتوي على 5,000 مادة كيميائية، من بينها 70 مادة مسرطنة مثبتة. حتى التدخين الإلكتروني (Vaping) ليس آمنًا، فقد أظهرت الدراسات أنه مرتبط بسرطان القولون والرئة، بسبب احتوائه على النيكوتين ومركبات كيميائية أخرى ضارة.
“اطلع على: قد لا تصاب بارتفاع ضغط الدم أبدًا“
حظر الكحول وأثره في معدلات السرطان
النقطة الرابعة هي أن الكحول محظور في معظم دول الشرق الأوسط، وقد ثبت علميًا أن استهلاك الكحول يزيد من خطر الإصابة بستة أنواع مختلفة من السرطان، منها:
- سرطان الكبد.
- سرطان الفم والبلعوم.
- سرطان قاعدة اللسان وسقف الحلق العلوي.
ومن المثير للانتباه أن سكان الشرق الأوسط يُسجلون أدنى معدلات الإصابة بالسرطان في هذه المناطق من الجسم، بينما تُسجل أوروبا الغربية، أوروبا الشمالية، وأمريكا الشمالية أعلى نسب الإصابة بهذه الأنواع من السرطان.
لماذا نسبة السرطان بالدول العربية لا تقل عن ذلك؟
إذن، لماذا ليست الأرقام في الشرق الأوسط أقل من ذلك؟ رغم أن هناك عوامل وقائية كثيرة تشرح لماذا نسبة السرطان منخفضة في الدول العربية والشرق الأوسط، إلا أن هناك عوامل أخرى قد تُفسر لماذا لا تنخفض النسبة أكثر، ومنها:
- الاستلاك المرتفع للسكر: الشرق الأوسط يُعد من أكثر المناطق استهلاكًا للسكر وشراب الذرة عالي الفركتوز، والسرطان كما نعلم “يعشق السكر”.
- السمنة: أكثر من 30% من السكان يعانون من السمنة، وهي عامل خطر معروف للإصابة بالسرطان.
- نقص فيتامين د: حوالي 80% من السكان في الشرق الأوسط يعانون من نقص في فيتامين D، وهو عنصر بالغ الأهمية في الوقاية من السرطان وتعزيز الجهاز المناعي، والأسوأ من ذلك، أن الاستهلاك العالي للسكر يساهم أيضًا في تقليل مستويات فيتامين D في الجسم، ما يزيد من ضعف الجهاز المناعي.
هناك عامل جيني مهم يُعرف باسم “تعدد الأشكال الجينية” (Polymorphism)، وهو حالة يحدث فيها تغير في المستقبلات الجينية الخاصة بفيتامين D، ما يجعل امتصاص الجسم لهذا الفيتامين أقل كفاءة. لهذا، حتى في ظل التعرض لأشعة الشمس، قد لا يحصل بعض الأشخاص في الشرق الأوسط على مستويات كافية من فيتامين D، وهنا تكمن أهمية تناول مكملات فيتامين D بشكل منتظم لمن يعيش في هذه المنطقة.
خلاصة: لماذا نسبة السرطان منخفضة في الدول العربية والشرق الأوسط؟
السر يكمن في نمط الحياة الفريد الذي يجمع بين:
- الصيام المنتظم.
- قلة استهلاك الكحول والتبغ.
- النظام الغذائي الغني بالتوابل والأطعمة المضادة للسرطان.
- العوامل الثقافية والدينية التي تعزز السلوكيات الصحية.
رغم وجود تحديات مثل ارتفاع استهلاك السكر والسمنة ونقص فيتامين D، إلا أن الصورة العامة لا تزال إيجابية مقارنةً بالدول الأخرى.