تحالفات غير متوقعة: هل تتخيل أمريكا وروسيا في معسكر واحد

Unexpected alliances

تحليل عميق لتحولات التحالفات العالمية في عصر ترامب، وصعود الشعبوية، وتقارب روسيا وأمريكا مقابل تباعد أوروبي صيني يعيد تشكيل العالم، وما سيترتب على هذه التحالفات؟

هل تخيلت يومًا أن أمريكا وروسيا يمكن أن تكونا في معسكر واحد؟ أو أن فرنسا وألمانيا تقفان ضد الأمريكيين إلى جانب الصين؟ إنها خريطة تحالفات جديدة لم يكن لأحد أن يتخيلها حتى في الأحلام، لكنها اليوم تقترب من الواقع، بل تكاد تصبح حقيقة.


بداية التغيير في عصر ترامب

قد يبدو من الجنون الحديث عن تحالف يجمع بين روسيا وأمريكا، وكان هذا غير ممكن قبل “عصر ترامب”. مصطلح “عصر ترامب” لا يقتصر على أمريكا فقط، بل هو ظاهرة عالمية. لكن قبل أن نوضح كيف يمكن أن يجتمع ترامب وبوتين في معسكر واحد، دعونا نلقي نظرة على شكل العالم قبل هذا التغيير الكبير.

تحولات التحالفات عبر التاريخ

العالم بطبيعته دائم التغير، والتحالفات فيه ليست ثابتة. فحتى في الحرب العالمية الثانية، توحد السوفييت والأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون والصينيون ضد ألمانيا واليابان وإيطاليا. قبلها، وقف العثمانيون إلى جانب الألمان ضد الإنجليز والفرنسيين، وهكذا تتبدل التحالفات تبعًا للمصالح والظروف.

التحالفات الدولية استقرت لعقود على شكل تقليدي: الشرق ممثلًا بروسيا والصين، في مواجهة الغرب بقيادة أمريكا وأوروبا. هذه الصورة ما زالت تبدو قائمة في نظر كثيرين، لكنها بدأت بالتغير لمن يدقق النظر.

“قد يهمك: هل تخشى إيران الحرب أم تخشى شعبها أكثر


من الأيديولوجيا إلى الهوية: التغير الجوهري

هل تتخيل أمريكا وروسيا في معسكر واحد

في كتابه الشهير صدام الحضارات، يقول صامويل هنتغتون إن الناس لم يعودوا يعرفون أنفسهم من خلال الأيديولوجيا أو الطبقة، بل من خلال الدين والثقافة والحضارة. بمعنى أن الانقسامات الفكرية (شيوعي، رأسمالي، ليبرالي…) بدأت تتلاشى، لتحل محلها انقسامات على أساس الهوية والثقافة.

في السنوات الأخيرة، ظهر ما يُعرف بـ”اليسار الجديد” أو “اليسار الثقافي”، الذي جمع بين قضايا المثلية، والنسوية، وحقوق الأقليات، والمناخ، وغيرها. هذا التيار لم يعد يمثل “الأقلية”، بل أصبح قوة مهيمنة في بعض الدول الغربية. الكاتب دوغلاس موراي تحدث عن ذلك في كتابه جنون الحشود، واصفًا كيف تحول هذا التيار إلى أداة لفرض سرديات جديدة حتى على حساب العقل والمنطق.

صعود الشعبوية كرد فعل

لم يتقبل الجميع هذا التوجه الجديد، مما أدى إلى رد فعل شعبي واسع، يمكن تلخيصه بكلمة واحدة: “ترامب”. الكاتب فرانسيس فوكوياما في كتابه الهوية تحدث عن هذا التحول، موضحًا أن فشل النظام في تلبية حاجة الناس إلى الكرامة والهوية الثقافية، أدى إلى صعود الشعبوية حول العالم. ترامب كان الذروة، لكنه لم يكن البداية. قبله صعد بوتين وغيره من القادة الذين يمثلون هذا التوجه.

“اطلع على: سيارة الـفولكس فاغن التي دمرت لبنان وقتلت ربع مليون من شعبه

Live
HD
4K
تحالفات غير متوقعة: هل تتخيل أمريكا وروسيا في معسكر واحد
0:45 / 6:30


ترامب وبوتين: من الإعجاب إلى التحالف

ترامب لطالما عبر عن إعجابه ببوتين، وفي العديد من خطاباته ومقابلاته أظهر احترامًا شديدًا للرئيس الروسي. مع عودة ترامب المحتملة إلى الحكم، قد نشهد تقاربًا فعليًا بين واشنطن وموسكو، خاصة في ما يخص الحرب في أوكرانيا، حيث أظهر ترامب انحيازًا واضحًا لموسكو على حساب كييف والعواصم الأوروبية.

العلاقة بين ترامب وأوروبا ليست على ما يرام، وهي مرشحة لمزيد من التدهور. لكن أوروبا نفسها منقسمة: فهناك دول يمينية أقرب إلى ترامب وبوتين، ودول أخرى بقيادة اليسار مثل فرنسا وألمانيا تعارض هذا التوجه. الرئيس الفرنسي ماكرون أشار في تصريحات سابقة خلال زيارته للصين إلى ضرورة خروج أوروبا من ثنائية الصراع الأمريكي-الصيني، في إشارة إلى مساعي لاستقلال القرار الأوروبي.

السيناتور الأمريكي ماركو روبيو اقترح سابقًا فكرة الشراكة مع روسيا لأغراض جيوسياسية، تهدف إلى عزل الصين، وهذا يعكس توجهًا “ترامبيًا” واضحًا لإعادة رسم خارطة التحالفات، بحيث تصبح روسيا حليفًا للولايات المتحدة في مواجهة الصين.


ما الذي سيترتب على التحالفات الجديدة؟

من الواضح أن العالم يسير نحو انقسام جديد بين معسكرين:

  • معسكر تقوده الدول التي تؤمن بالقومية والهوية الوطنية.
  • معسكر آخر يضم الدول التي تتبنى الهويات العابرة للحدود.

كل طرف سيحاول تعزيز أفكاره ونشرها، وستشهد الخريطة العالمية تغيرًا جذريًا، تمامًا كما حدث في القرن العشرين.

“قد يهمك: استقبال صدام حفتر في أنقرة: مشهد غير متوقع”

هل نحن على أعتاب حرب عالمية جديدة؟

هل سيؤدي هذا الانقسام إلى حرب عالمية ثالثة؟ ليس بالضرورة، على الأقل ليس بشكلها التقليدي. لكن من المحتمل أن نشهد حروبًا اقتصادية وثقافية وإعلامية، بدأت فعلاً منذ عهد ترامب، وتقوم على مبدأ: “أمريكا أولاً”. وهو مبدأ يذكّر بمقولات قادة تاريخيين مثل هتلر الذي رفع شعار “العرق الآري أولاً”، مما جرّ العالم إلى الجحيم.

التاريخ يعيد نفسه لكن بشكل جديد التاريخ لا يكرر نفسه حرفيًا، لكنه يدور في حلقات، وفي زمن التحالفات الغريبة، مثل تحالف ترامب مع بوتين، والعالم ضدهما، قد نكون أمام مشهد جديد لحرب عالمية، لكن بأسلحة مختلفة، وتكتيكات متعددة.

اترك رد