كيف تخطط أوروبا لتصبح قوة عسكرية في وجه التهديدات الروسية

How Europe plans to become a military power

تعرّف على كيف تخطط أوروبا لتصبح قوة عسكرية مستقلة في مواجهة التهديدات الروسية، من خلال تعزيز صناعتها الدفاعية وزيادة الإنفاق العسكري طويل الأمد

في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة والحرب المستمرة في أوكرانيا، لم يعد بمقدور أوروبا الاكتفاء بالاعتماد على الحماية الأمريكية. ومع عودة شبح الحروب التقليدية إلى القارة، تبرز الحاجة الملحّة لسؤال جوهري: كيف تخطط أوروبا لتصبح قوة عسكرية مستقلة وقادرة على حماية أمنها القومي والمساهمة في الدفاع عن حلفائها؟


نقطة التحول: من التبعية إلى الاستقلال العسكري

لسنوات طويلة، اعتمدت أوروبا على الولايات المتحدة في الجوانب الأساسية من منظومتها الدفاعية: من الإمداد اللوجستي إلى الاستخبارات، ومن الردع النووي إلى العمليات التكاملية. لكن الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022 شكّل صدمة استراتيجية دفعت العواصم الأوروبية إلى إعادة النظر في أولوياتها.

استجابة لذلك، أطلق الاتحاد الأوروبي خطة طموحة بعنوان “ReArm Europe”، تستهدف تخصيص 800 مليار يورو خلال العقد المقبل لتعزيز القدرات العسكرية، وضمان أمن القارة على المدى الطويل.


فجوات عسكرية مؤلمة كشفتها الحرب

العملية العسكرية الروسية فضحت العديد من الثغرات في الدفاع الأوروبي، من ضعف المخزونات إلى تقادم العتاد وغياب الاستعداد القتالي الحقيقي. ففي حين أن أوروبا تُنفق مجتمعة أكثر من روسيا على الدفاع، إلا أن النتيجة العملياتية على الأرض لا تعكس هذه الفجوة المالية. هذه التناقضات دفعت صانعي القرار في بروكسل إلى الاعتراف بأن المال وحده لا يكفي، بل يجب أن يقترن بخطة متكاملة لإعادة بناء الجيوش الأوروبية من القاعدة حتى القمة.

“قد يهمك: تحالفات غير متوقعة: هل تتخيل أمريكا وروسيا في معسكر واحد”


نحو سياسة تصنيع عسكري موحدة

كيف تخطط أوروبا لتصبح قوة عسكرية في وجه التهديدات الروسية؟

إحدى أكبر العقبات أمام تطور القوة العسكرية الأوروبية تكمن في تشتت صناعات الدفاع. فكل دولة تعتمد على مصنعين محليين، ما يخلق تضاربًا في المعايير، ويعيق التنسيق المشترك. لتجاوز هذه الفجوة، تبنّت أوروبا نهجًا جديدًا يُركز على توحيد خطوط الإنتاج والتسليح، على غرار ما قامت به الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة. فإذا تم دمج الطاقات الصناعية لدول مثل فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، السويد وإسبانيا، فإن أوروبا قد تكون قادرة على إنتاج أسلحة بمواصفات مشتركة وتكاليف أقل.


التحدي الأكبر: غياب بديل لطائرات F-35

من أبرز التحديات في كيف تخطط أوروبا لتصبح قوة عسكرية هو التعامل مع ملف الطائرات الحربية المتطورة. فلا يزال الاتحاد الأوروبي معتمدًا على الطائرات الأمريكية من طراز F-35، رغم الجدل القائم حول احتمالية وجود “زر تعطل” يمكن للولايات المتحدة استخدامه.

ومع غياب بديل أوروبي مكافئ، تبقى الخيارات محدودة. أعلنت شركة Dassault الفرنسية نيتها مضاعفة إنتاج طائرات رافال، كما تعمل دول أخرى على تعزيز إنتاج مقاتلات Eurofighter وGripen. لكنها كلها تظل حلولًا انتقالية لا ترقى لقدرات F-35.


تركيا وكوريا الجنوبية: حلفاء محتملون خارج الاتحاد

نظرًا للضغوط الزمنية، بدأت دول أوروبية بالنظر إلى شركاء من خارج الاتحاد الأوروبي لسد العجز في منظومات التسليح. تركيا، مثلًا، تطور مقاتلة KAAN من الجيل الخامس، وهي الأقرب من حيث القدرات إلى F-35، مع سلسلة إمداد قريبة من أوروبا. من جهتها، وقعت بولندا عقودًا بقيمة 16 مليار دولار مع كوريا الجنوبية لشراء دبابات وطائرات ومدفعية. هذه الشراكات تؤكد أن بعض الحلول لن تأتي من داخل القارة، بل من تعاون أوسع مع شركاء خارجيين.

“قد يهمك: هل تخشى إيران الحرب أم تخشى شعبها أكثر

Live
HD
4K
كيف تخطط أوروبا لتصبح قوة عسكرية في وجه التهديدات الروسية
0:45 / 6:30


الصراع السياسي حول التمويل الدفاعي

رغم أهمية الشراكات، إلا أن الخلافات السياسية داخل الاتحاد الأوروبي تهدد بتقويض التقدم. ففي حين يؤيد المستشار الألماني أولاف شولتز فتح التمويل الأوروبي لشركاء “متشابهين في القيم” مثل تركيا وبريطانيا، يصر الرئيس الفرنسي ماكرون على أن تُوجّه الاستثمارات فقط للشركات الأوروبية، دعمًا لمبدأ “الاستقلال الاستراتيجي”.

لكن حتى لو تعثّر هذا التمويل، فإن معظم الإنفاق الدفاعي سيأتي من ميزانيات وطنية، وهو ما يمنح الدول حرية اتخاذ قراراتها الخاصة بعيدًا عن الفيتو الأوروبي.


أوروبا تملك الموارد لكن هل تملك الإرادة؟

اقتصاديًا، أوروبا تتفوق على روسيا بأشواط. الناتج المحلي الإجمالي لدول الاتحاد تجاوز 19 تريليون دولار في 2024، مقابل 2 تريليون فقط لروسيا. كما أن عدد سكان الاتحاد يبلغ 449 مليون نسمة، مقارنة بـ145 مليون فقط في روسيا.

لكن القوة لا تُقاس فقط بالأرقام، بل بالقدرة على تحويل الموارد إلى سياسة فعلية. هنا تكمن المعضلة. فالمؤسسات العسكرية الأوروبية لا تزال بحاجة إلى إعادة هيكلة شاملة، خصوصًا في مجالات مثل الاستطلاع، النقل الثقيل، التزود بالوقود، والدعم اللوجستي – وهي وظائف كانت تُركن بالكامل للولايات المتحدة.

“اطلع على: سيارة الـفولكس فاغن التي دمرت لبنان وقتلت ربع مليون من شعبه


الإنفاق الدفاعي المستدام يتطلب قرارات صعبة

بحسب دراسة من معهد Bruegel وKiel، فإن أوروبا بحاجة لإنفاق إضافي قدره 261 مليار دولار سنويًا على الدفاع، ما يرفع الميزانية إلى 727 مليار دولار. غير أن تمويل هذا المستوى يتطلب إما رفع الضرائب أو تقليص الإنفاق الاجتماعي، وهو خيار غير شعبي في مجتمعات رفاهية مثل أوروبا.

لكن كما قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في 2012: “أوروبا تمثل 7% من سكان العالم، و25% من اقتصاده، لكنها تنفق 50% من الإنفاق الاجتماعي العالمي”. هذه المعادلة غير قابلة للاستمرار إذا أرادت أوروبا أن تبني قوة عسكرية فاعلة.


كيف تخطط أوروبا لتصبح قوة عسكرية : الخلاصة

السؤال كيف تخطط أوروبا لتصبح قوة عسكرية لم يعد ترفًا فكريًا بل ضرورة أمنية واستراتيجية. القارة تملك كل المقومات: اقتصاد ضخم، قاعدة صناعية قوية، تعداد سكاني كبير، وتحالفات متينة. ما ينقصها هو الإرادة السياسية والالتزام طويل الأمد. برنامج “ReArm Europe” ليس سوى بداية. وإذا نجحت أوروبا في تحويل أقوالها إلى أفعال، فقد تتمكن من ملء الفراغ الذي قد يتركه انسحاب أمريكي محتمل، وتوفير مظلة حماية حقيقية لجيرانها في الشرق.

اترك رد