الصراع التركي السعودي: مواجهة خفية بين مشروعين إقليميين
Turkish-Saudi conflict
تعرف على تفاصيل الصراع التركي السعودي، وتعرف على تحولات العلاقة من التوتر إلى التقارب الحذر، وهل هو صراع أم تنافس؟ ومن ينتصر في معركة الزعامة؟

كلما التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تتجدد التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين أنقرة والرياض. تشعر الأوساط السياسية، وحتى بعض التقارير الغربية، أن المصافحة بين الرجلين تحمل في طياتها الكثير من البرود الدبلوماسي الذي يسبق تحولات سياسية كبرى، أو كما يُقال: “المصافحة التي تسبق الصفعة”.
قائمة المحتويات
تحولات العلاقة: من التوتر إلى التقارب الحذر
شهدت العلاقة بين السعودية وتركيا تحولات جذرية منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، حيث دعمت أنقرة فصائل ذات طابع إسلامي وقريبة من جماعة الإخوان المسلمين، فيما اتجهت الرياض لدعم قوى معارضة معتدلة وناهضة للتوسع الإيراني في سوريا. وتعمق الخلاف لاحقاً إثر أزمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، وهي الحادثة التي أحدثت شرخاً عميقاً بين البلدين.
لكن ومع مرور الوقت وتغير الأولويات، قررت القيادتان طي صفحة الخلاف. ففي أبريل 2022، زار أردوغان السعودية، تلاها رد من محمد بن سلمان في يونيو من العام نفسه بزيارة رسمية إلى أنقرة. تم خلال الزيارتين توقيع اتفاقيات اقتصادية مهمة، ورفع مستوى التعاون التجاري، إلا أن هذه الخطوات لم تُخفِ استمرار التوتر تحت السطح، خصوصاً فيما يتعلق بالملفات الإقليمية الساخنة كسوريا وليبيا وفلسطين.
سوريا: صراع نفوذ لا يهدأ
تُعد الساحة السورية واحدة من أكثر نقاط التماس سخونة في الصراع التركي السعودي. تركيا ترى في شمال سوريا منطقة نفوذ استراتيجي تسعى لتكريسه عبر وجود عسكري مباشر وإنشاء قواعد سيادية، بل وحتى عبر التنسيق مع إسرائيل عند الحاجة، بهدف تقسيم النفوذ في سوريا بين الشمال والجنوب.
في المقابل، تتبنى السعودية رؤية عربية داعمة للوحدة السورية والاستقرار، وقد قدمت مؤخراً دعماً مالياً كبيراً لسوريا عبر سداد التزامات لصندوق النقد الدولي، ما سيسمح للحكومة السورية بالحصول على منح جديدة لإعادة الإعمار. هذه الخطوة تنسجم مع رؤية عربية تتبناها الإمارات أيضاً، تقضي بدعم دمشق دون مصادرة قرارها السيادي.
فلسطين: مواجهة إعلامية ومواقف متباينة
في الملف الفلسطيني، يظهر التباين بين المشروعين جلياً. فتركيا تدعم حركة حماس بشكل علني، وتتبنى خطاباً إعلامياً شعبوياً يعادي إسرائيل، رغم التنسيق الفعلي معها في ملفات إقليمية عديدة. وتحاول أنقرة استقطاب دول جنوب شرق آسيا لتشكيل تحالف جديد لإعمار غزة، بديلاً عن المبادرة العربية.
في المقابل، تُقدم السعودية نفسها كقوة عربية مسؤولة، وتربط التطبيع مع إسرائيل بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على أساس مبادرة السلام العربية التي انطلقت من بيروت عام 2002. يسعى ابن سلمان من خلال هذا الطرح إلى تعزيز موقع السعودية كضامن للقضية الفلسطينية.
“قد يهمك: الممثلة التركية سيفيل أكداغ“
أوكرانيا: توازنات معقدة وتحركات متقاطعة
في الساحة الأوكرانية، لعبت تركيا دوراً بارزاً من خلال دعم كييف بالطائرات المسيّرة في بداية الحرب، ثم عادت لتقارب محسوب مع موسكو، مقدمة نفسها كوسيط محايد بين الطرفين. لكنها فوجئت بتقدم سعودي استراتيجي، حين نجحت الرياض في استضافة الجولات الأولى من المفاوضات بين موسكو وكييف، بفضل علاقاتها المتينة مع الطرفين. هذا التحرك السعودي لم يُرضِ أنقرة، التي حاولت لاحقاً نقل الوساطة إلى إسطنبول، ما أظهر مجدداً أن الصراع التركي السعودي لا يتوقف عند حد، بل يمتد في كل اتجاه تتوفر فيه فرصة لتعزيز النفوذ.
ليبيا والسودان: ساحة صراع جانبية
لا يقتصر التنافس التركي السعودي على الساحات الكبرى، بل يمتد إلى دول أخرى مثل ليبيا والسودان، حيث تدعم أنقرة قوى سياسية وعسكرية ذات خلفية إسلامية، بينما تفضل الرياض دعم استقرار المؤسسات الوطنية وتدعيم التوازن الإقليمي. هذا الصراع متعدد الأوجه يُظهر مدى التباين بين رؤية تركيا العثمانية الجديدة، التي تتبناها حكومة العدالة والتنمية، والمشروع العربي الذي يسعى ابن سلمان لتأسيسه انطلاقاً من الرياض.
“قد يهمك: لماذا غزو مصر فكرة انتحارية“
الطموح النووي: سباق غير معلن
في عام 2024، بدأت السعودية مفاوضات متقدمة مع واشنطن لبناء مفاعل نووي مدني، ضمن صفقة تطبيع مع إسرائيل. وتشير تقارير إلى أن الولايات المتحدة قد توافق على السماح للسعودية بتخصيب اليورانيوم محلياً تحت إشراف دولي. في المقابل، تمتلك تركيا بالفعل مفاعلاً نووياً بالتعاون مع روسيا، ولا تُخفي قلقها من حصول الرياض على قدرة نووية مستقلة، لما لذلك من تأثير محتمل على ميزان القوى الإقليمي ومعادلات الردع.
الإخوان المسلمون: الجذر العميق للخلاف
يظل ملف جماعة الإخوان المسلمين أحد أبرز أسباب التوتر بين أنقرة والرياض. فبينما تعتبر السعودية الجماعة تهديداً لأمنها القومي، يرى حزب العدالة والتنمية التركي فيها امتداداً طبيعياً لفكره السياسي. وقد زادت تركيا من دعمها الإعلامي والسياسي للجماعة، ما خلق فجوة عقائدية يصعب ردمها.
هل هو صراع أم تنافس؟
يذهب البعض إلى اعتبار العلاقة بين السعودية وتركيا تنافساً سياسياً طبيعياً، بينما يرى آخرون أنها تسير باتجاه صدام بارد، قد يتحول مستقبلاً إلى سباق تسلح نووي أو مواجهة إقليمية حادة، خصوصاً مع ضعف النفوذ الإيراني الذي كان يشكل في السابق نقطة توازن.
حتى الآن، تبدو العلاقات محكومة بالبراغماتية، إذ يسعى الطرفان لتقاسم النفوذ في الشرق الأوسط دون الاصطدام المباشر. لكن التنافس يشتد يوماً بعد يوم، في ظل وجود مشاريع متناقضة: مشروع عربي بقيادة السعودية، وآخر عثماني تحاول تركيا (Turkey) إحياؤه.
“قد يهمك: فضيحة الأم وصهرها في تركيا“
ختاماً: من ينتصر في معركة الزعامة؟
يبقى السؤال الأهم: إلى أين تتجه معركة الزعامة بين محمد بن سلمان ورجب طيب أردوغان؟ وهل سيفرض أحد المشروعين نفسه على الآخر؟ أم أننا أمام سباق طويل، تحدده تحولات الإقليم، وتفاعلات القوى الكبرى، وصبر الدول المؤثرة التي لم تقل كلمتها الأخيرة بعد؟
في نهاية المطاف، يتجسد الصراع التركي السعودي في صراع بين رؤيتين: واحدة تسعى لاستعادة الماضي العثماني، وأخرى تريد بناء مستقبل عربي مستقل. وبين هذه وتلك، تظل خيوط التنافس مشدودة، والعين على من يحكم الشرق الأوسط في العقود القادمة.