تحولات واشنطن بوست: بين دعم الأسواق الحرة والجدل حول الإقطاع التكنولوجي
Why have crypto influencers lauded the Jeff Bezos announcement of the editorial policy changes in The Washington Post
إعلان بيزوس عن تغييرات واشنطن بوست يثير الجدل، دعم من مجتمع العملات الرقمية، مخاوف من الإقطاع التكنولوجي، وتأثيرات سياسة دونالد ترامب على السوق

أعلن جيف بيزوس، الرئيس التنفيذي السابق لشركة أمازون وثالث أغنى رجل في العالم، والذي اشترى ثالث أكبر صحيفة في الولايات المتحدة، واشنطن بوست، في عام 2013، عن فرض قيود جديدة على سياسة قسم الرأي في الصحيفة. وقد استقال رئيس قسم الرأي، ديفيد شيبلي، من منصبه بعد معرفته بهذه التغييرات. فما هي هذه القيود الجديدة؟ ولماذا يدعم العديد من مؤثري العملات الرقمية هذه الخطوة؟
قائمة المحتويات
تحولات واشنطن بوست
في 26 فبراير 2025، نشر بيزوس على منصة X ملاحظة كان قد أرسلها في وقت سابق من ذلك اليوم إلى موظفي واشنطن بوست. في هذه الملاحظة، أعلن أن الصحيفة ستكتب “دعماً ودفاعاً” عن ركيزتين أساسيتين: الحريات الشخصية والأسواق الحرة، وأوضح أن أي محتوى يعارض هاتين الركيزتين لن يكون له مكان في الصحيفة.
وفقاً لبيزوس، فإن الحرية ليست فقط مبدأً أخلاقياً، ولكنها أيضاً نهج عملي، لأنها تقلل من الإكراه وتحفّز الابتكار والازدهار. كما أشار إلى أن الآراء الأخرى ممثلة بشكل كافي على الإنترنت، لذلك وجد أن تغيير سياسات الصحيفة هو القرار الصائب بالنسبة له. وقد كشفت الملاحظة أيضاً أن رئيس قسم الرأي، ديفيد شيبلي، رفض قيادة التوجه الجديد وقرر الاستقالة من منصبه.
الزلزال داخل واشنطن بوست
لطالما كان قسم الرأي في صحيفة واشنطن بوست منبراً لمجموعة متنوعة من وجهات النظر، إن لم تكن متناقضة. لكن هذا الواقع سيتغير من الآن فصاعداً. وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، فإن المذكرة التي أرسلها الرئيس التنفيذي للصحيفة، ويل لويس، إلى الموظفين، شددت على أن هذه الخطوة “لا تتعلق بالانحياز إلى أي حزب سياسي”، بل تهدف إلى “توضيح موقفنا بجلاء كصحيفة”.
ووفقاً لـنيويورك تايمز، جاء قرار استقالة رئيس قسم الرأي، ديفيد شيبلي، بعد أسابيع من المحادثات بينه وبين جيف بيزوس وويل لويس. شيبلي رفض التغيير وقرر التنحي عن منصبه، مما تسبب في “صدمة وذهول” بين أعضاء مجلس الرأي.
لكن هذه الاستقالة ليست معزولة عن الأحداث الأخيرة داخل الصحيفة. ففي عام 2024، استقالت الرسامة الكاريكاتيرية الحائزة على جائزة بوليتزر، آن تيلنيس، بعد رفض الصحيفة نشر عملها الذي ينتقد جيف بيزوس. كما امتنعت الصحيفة، ولأول مرة منذ عقود، عن دعم أي مرشح رئاسي في انتخابات 2024، وهو القرار الذي دفع العديد من الصحفيين إلى مغادرتها. في العام نفسه، فاز كاتبان في قسم الرأي بالجريدة بجوائز بوليتزر.
يرى البعض أن هذه التغييرات السياسية تعكس توجهاً نحو اليمين، خاصة مع قرار عدم دعم أي مرشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، وهي خطوة أفقدت الصحيفة 8% من مشتركيها. كما استقال ثلاثة من أصل تسعة أعضاء في المجلس التحريري احتجاجاً على ذلك. ونقلت شبكة CNBC عن إحدى المستقيلات، مولي روبرتس، قولها إن المجلس كان يستعد لدعم منافسة ترامب، كامالا هاريس، لكن بيزوس قرر عدم دعم أي مرشح. مع ذلك، نفى الناشر والرئيس التنفيذي لويس هذه الادعاءات، واصفاً إياها بأنها غير دقيقة.
“قد يهمك: بيتكوين سويس توسع عروضها من العملات الرقمية“
تفاعل شخصيات كبرى في عالم العملات الرقمية
في حين قوبل الإعلان بعدم ترحيب داخل أروقة الصحيفة، إلا أنه لقي استحساناً كبيراً بين شخصيات بارزة في عالم العملات الرقمية، حيث أعاد العديد منهم نشر منشور بيزوس وأشادوا بالقرار، مؤكدين أهمية دعم الأسواق الحرة. أعرب براين أرمسترونغ، الرئيس التنفيذي لشركة كوينبيس، عن دعمه الكامل لهذه الخطوة، حتى أنه شارك مقالاً عن الأسواق الحرة من مدونة كوينبيس. كما أعاد جاستن صن، مؤسس ترون، نشر المنشور، فيما أشاد جيف بارك من Bitwise Invest بالقرار في التعليقات.
أما الكاتب المختص بالعملات الرقمية، نيك كارتر، فقد عرض خدماته ككاتب عمود مختص في تغطية أخبار العملات الرقمية، قائلاً إنه مستعد لـ”إصلاح التغطية”. من جانبه، لم يعلق مايكل سايلور، الرئيس التنفيذي لشركة MicroStrategy، بشكل مباشر على التغييرات السياسية، لكنه شدد على أن البيتكوين يعزز الحريات الفردية والأسواق الحرة، في إشارة إلى دعمه الضمني للاتجاه الجديد للصحيفة.
في المقابل، انتقد كثيرون خارج مجتمع العملات الرقمية هذه الخطوة، معتبرين أنها تتناقض مع مبدأ الحريات الشخصية، حيث إن الصحيفة التي حافظت على استقلالية غير حزبية لأكثر من قرن، باتت الآن تفرض قيوداً على بعض الآراء.
“قد يهمك: توقعات سعر بيتكوين كاش“
الإشادة من مجتمع العملات الرقمية: بين الحرية الاقتصادية والسياسات الحكومية
لا تبدو إشادة مجتمع العملات الرقمية بإعلان بيزوس غير منطقية إذا نظرنا إلى الأمر على أنه تعهّد بدعم الإدارة الحالية. فولاية ترامب الثانية تميّزت بتخفيف القيود التنظيمية المفروضة على قطاع العملات الرقمية، مما منح السوق حرية غير مسبوقة.
في الأشهر الأولى من عام 2025، ظهرت مقترحات لإنشاء احتياطيات من البيتكوين على مستوى الولايات، إلى جانب اقتراح على المستوى الفيدرالي قدّمته السيناتورة الجمهورية سينثيا لوميس ودافعت عنه بشدة. كما أن إسقاط القضايا المرفوعة ضد منصات العملات الرقمية الكبرى من قبل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC)، والحملة الحكومية على عملية Choke Point 2.0، هما مجرد مثالين بارزين على التوجهات التي جعلت إدارة ترامب الثانية بطلاً في نظر مجتمع العملات الرقمية. هذه السياسات عززت السوق وساهمت في رسم ملامح مستقبل القطاع.
مع ذلك، لا يمكن اعتبار مجتمع العملات الرقمية كياناً موحداً. إذ ينتقد البعض ترامب بسبب سياساته الجمركية التي يُعتقد أنها أضرّت بسعر البيتكوين، أو بسبب إطلاقه الرسمي لعملة ميمي توكن. وهناك من يرفض ترامب لأسباب شخصية أو سياسية. ولكن في عام 2025، لم تعد هذه المواقف هي السائدة في النقاشات داخل مجتمع العملات الرقمية.
وحتى لو تجاهلنا الصلة بين ترامب وبيزوس، يمكننا الاعتراف بأن الأسواق الحرة والتمكين المالي للأفراد لطالما كانا من الركائز الأساسية لأيديولوجية العملات الرقمية. فالبيتكوين والعملات المشفرة الأخرى كسروا الحدود، وتجاوزوا القيود، وفتحوا آفاقاً جديدة للناس. لذا، إذا كان بيزوس يعلن أنه سيدافع عن هذه المبادئ، فمن الطبيعي أن يجد الدعم من مجتمع العملات الرقمية. لكن المفارقة تكمن في أن تكميم الآراء البديلة داخل واشنطن بوست لا يتماشى مع مبدأ مقاومة الرقابة، وهو أحد المبادئ الجوهرية للعملات الرقمية.
“قد يهمك: توقعات سعر تيزوس“
الأسواق الحرة والإقطاع التكنولوجي
في مقاله عن الأسواق الحرة، عبّر براين أرمسترونغ عن مخاوفه من ما وصفه بـ”الماركسية”، وأشاد بالرأسمالية القائمة على حرية السوق. لكن هناك من يرى أن جيف بيزوس ليس رأسمالياً حقيقياً، بل رمزاً لنظام جديد يُعرف بـ”الإقطاع التكنولوجي”، وهو نظام ناشئ يتطفل على الرأسمالية بدلاً من تعزيزها.
صاغ هذا المصطلح وزير المالية اليوناني السابق والمفكر الاقتصادي يانيس فاروفاكيس، حيث شبّه عمالقة التكنولوجيا الحديثة مثل آبل وأمازون بأمراء العصور الوسطى، وشبّه شركاتهم بالإقطاعيات التي تعيش على تحصيل الإيجارات، في حين كانت الشركات الرأسمالية التقليدية مدفوعة بالسعي إلى الربح. أما الآن، فإن “الرأسماليين التابعين” مضطرون لدفع “إيجارات سحابية” إلى عمالقة التكنولوجيا لضمان ظهور منتجاتهم على أمازون وجوجل بلاي وغيرها من المنصات. هذه الفكرة لا تزال جديدة وهامشية إلى حد ما، لكنها تكتسب زخماً متزايداً في الأوساط الاقتصادية.
مثل ساتوشي ناكاموتو، يرى فاروفاكيس أن نقطة التحول الكبرى كانت أزمة 2008 المالية، حين قامت الحكومات بإنقاذ البنوك والبنكيين الذين تسببوا في خسائر بمليارات الدولارات، بدلاً من تركهم يواجهون العواقب. ووفقاً له، فإن هؤلاء لم يبتكروا شيئاً جديداً، بل استمروا في جني الأموال بفضل عمليات الإنقاذ الحكومية، وهو ما يشبه “الإيجارات” التي لا تأتي من الإبداع أو المنافسة، وهما المحركان الأساسيان للرأسمالية والأسواق الحرة.
يُزعم أن أمازون لا تخلق شيئاً جديداً، بل تعيش على العائدات من المساحات الإعلانية المدفوعة التي يستأجرها الرأسماليون الحقيقيون، وهم من يدفعون عجلة الاقتصاد. مع ذلك، يُحسب لجيف بيزوس أنه سمح لـواشنطن بوست بنشر مقالات تنتقد أمازون بسبب نتائج البحث المعتمدة على الإعلانات، ومن المقرر أن تبدأ محاكمة قضية الاحتكار المرفوعة ضد أمازون من قبل لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) في عام 2026.