التفكك الأسري؛ ما هو وتأثيره على الأطفال وعلى المجتمع وأسبابه

التفكك الأسري (Disintegration of the family)؛ يُعد هذا التفكك مشكلة كبيرة لها تأثيرها المدمر على الأطفال، وهذه المشكلة ترتبط بعدة تساؤلات، ألا وهي: هل توجد علاقة بين الطلاق والتفكك الأسري؟ هل توجد علاقة بين هجر الوالدين والتفكك الأسري؟ هل توجد علاقة بين وفاة أحد الوالدين والتفكك الأسري؟ هل يؤثر التفكك الأسري على الأطفال؟ كل هذه الأسئلة سوف نجيب عليها هنا في مقالنا هذا، حيث سنناقش معًا ما هو التفكك الأسري الأسباب والمخاطر، وتأثيره على الأطفال وعلى المجتمع وأسبابه المختلفة.

العلاقات الأسرية المصرية

لا شك أن العلاقات الأسرية ه‍ي أسمى وأقدس العلاقات على وجه الأرض فهي الملاذ والأمن لكل فرد، ومنذ خلق الله الإنسان وسنته في خلقه أن يبحث كل فرد عن شريك له ليكون سكنًا وأمانًا لتستمر الحياة جيلًا بعد جيل، ومن سنته سبحانه وتعالى في خلقه التغير، تتغير الأزمان وما يتبعه من تغير في المعتقدات والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

من الملاحظ والمشاهد أنه قد بدأت متغيرات كثيرة تعتري الأسرة المصرية منذ عقود، أثرت على وحدة بنائها واستقرارها، وتتعدد المشكلات الأسرية التي تحدث داخل الأسرة، وتنطبق عليها خصائص المشكلات الاجتماعية وهذه حالة من الاضطراب حيث يتوقف أداء أفراد الأسرة، مما ينتج عنها التفكك الأسري وذلك أدى إلى زيادة معدلات نسب الطلاق بنسب مخيفة خاصةً في العقدين الأخيرين، مما أدى أيضًا إلى زيادة الإدمان.

كما أن هذه النسب نتيجة للعديد من المؤثرات وكان لها أيضًا العديد من النتائج، ونحن هنا لسنا بصدد دراسة الأسباب التي أدت إلى الزيادة في معدلات الطلاق التي تتنوع بين عوامل سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية، بقدر ما يهمنا دراسة نتائج زيادة نسب معدلات الطلاق في العقدين الأخيرين، والتي سنتناول فيها أحد أهم تلك النتائج، وهو مدى علاقة ذلك بزيادة معدلات الإدمان وشيوع حالة تناول المخدرات بين الشباب.

ما هو التفكك الأسري Disintegration of the family؟

التفكك الأسري: هو انهيار وحدة الأسرة والافتقار لإجماع الرأي فيها وعدم قيامها للوظائف المقررة اجتماعيًا. التفكك الأسري ينتج بواسطة التفكك الخارجي والداخلي للأسرة، وذلك مثل: حالات الوفاة لأحد الوالدين أو كلاهما، حالات الانفصال، الهجر، عدم التفاهم بين الزوجين، التواصل السلبي داخل الأسرة وعدم التكيف بين أفرادها، مما يحول ذلك إلى التفكك الأسري الذي يؤدي لزيادة الظاهرة الإجرامية لدى بعض الأفراد.

من مخاطر التفكك الأسري أنه يُعد أخطر المشكلات الاجتماعية التي ينعكس تأثيرها سلبًا على أفراد العائلة خصوصًا الأطفال، كما ينعكس تأثيرها السلبي على المجتمع كذلك، وينتج عن هذه المشكلة الضغط العاطفي والضغط النفسي والتأثير على الصحة العقلية للأطفال والتأثير على نموهم بشكل سليم، ويؤدي هذا إلى اتجاههم في بعض الأوقات إلى الطرق العدوانية.

بسبب التفكك الأسري قد يواجه الأبناء بعض الأصدقاء المنحرفين الذين يسحبونهم لطريق المخدرات؛ وهذا يحدث نتيجة المشاكل الأسرية والاجتماعية وكافة أشكال التفكك سواء كانت مادية أو معنوية مثل: الطلاق، الانفصال، الوفاة، سوء معاملة الأسرة للفرد، سوء الظروف المعيشية.

من أسباب التفكك الأسري

تشمل أهم 4 أسباب تؤدي إلى حدوث هذه المشكلة الخطيرة التالي:

حالات الطلاق تؤدي إلى التفكك الأسري

يُعد كثرة الطلاق من آثار التفكك الأسري المدمرة دون سبب مشروع، والطلاق يؤدي إلى التمزق العاطفي للأبناء بسبب الحَيْرَة في الانحياز لأي طرف، الأبُ أم الأم، فضلًا عن فقدهم للشعور بالأمن نتيجة للاضطراب والتفرق الذي حل بالأسرة، ويؤثر هذا على تحصيلهم العلمي وتفوقهم الدراسي.

كما هو مشاهد ومعروف فإن الأطفال بعد الطلاق قد يُستخدمون أحيانًا كوسيلة للانتقام والإيذاء المتبادل بين الزوجين، فالأم تحرم الأب من رؤية أولاده، والأب يحاول أن يضم الأولاد إلى حضانته، ويعيش الأبناء تجربة نفسية قاسية تترك في وجدانهم انطباعًا سيئًا عن الجو الأسري والعلاقات الزوجية.

كما تدفع المرأة المطلقة ثمنًا غاليًا لطلاقها، فهي تُحرم من الإعالة والإشباع العاطفي، وتتعرض لقيود على تصرفاتها، ويَنظر إليها المجتمع نظرة فيها الكثير من التوجس، وهذا يجعلها تنظر إلى الحياة بمنظار قاتم، وقد تنجرف في تيار الانحلال إذا لم تجد زوجًا تعيش في كنفه. لكن هذا لا ينطبق على جميع العائلات، فهناك عائلات متفككة ولكن يقومون باحتواء أبنائهم.

الأرقام السابقة لعام ٢٠٢١ تمثل واقع الطلاق في مصر والتي أصبحت تأتي ضمن أكثر دول العالم من حيث عدد حالات الطلاق السنوية، وزيادة نسبة الطلاق كانت واضحة بين الشباب في الفئة العمرية من ٢٥ إلى ٣٥ عامًا. الطلاق أحيانًا يكون مبني على اتفاق بين الزوجين، وأحيانًا يكون بدون اتفاق وغير تراضي.

حدوث الهجر

الهجر هو ترك أحد الزوجين الحياة الزوجية دون اتفاق مسبق مع الطرف الآخر على إبقاء الرابطة الزوجية أو حلها، وقد يكون تركها مؤقت أو دائم، ومن صور الهجر ترك البيت دون رعاية أو ترتيبات مالية، والهجر يكون في أغلب الأحيان من طرف الزوج، ومن صوره أيضًا هجر الوالدين للأبناء عند العمل مما يؤدي إلى انعدام الأسرة، ومن صوره أيضًا الانفصال بدون وقوع الطلاق.

المشاجرات بين الزوجين

الخلاف الأسري طبيعي وعادي جدًا ولا توجد أسرة لا تخلو من هذا ولكن وجود التفاهم والحوار بين الزوجين كفيل بحل هذا الخلاف، وهذا راجع للطابع النفسي ومبادئ الفرد في الأساس. لكن كثرة المشاجرات بين الزوجين وعدم التفاهم بينهما قد تكون هدامة للأسرة مع مرور الوقت.

حدوث الوفاة

وفاة أحد أفراد الأسرة قد تكون أحد الأسباب الرئيسية لتفكك الأسرة.

“اقرأ عن: صفات الزوج النرجسي“

أثر التفكك الأسري

هناك علاقة قوية بين الأسرة كنسق اجتماعي وبين الأعضاء المكونين لهذا النظام بين الأنساق الاجتماعية الأخرى، لذلك فإن للتفكك علاقة بين أفراد الأسرة تعكس أثار سلبية على الزوجين والأبناء وصولًا بالمجتمع، وبهذا فهو داخل إطار الأسرة كما ينعكس على المجتمع ككل.

• آثار التفكك الأسري على الزوجين

ينتج عن مشكلة التفكك الأسري اضطرابات وتحلل في علاقات الزوجين بالآخرين خصوصًا الأقارب، فإن كانت هناك علاقة قرابة بين أسرتي الزوجين فإنه غالبًا وللأسف تتأثر سلبيًا بما يحدث للزوجين فتحدث القطيعة بين الأسرتين، بل ويصبح هناك نوع من الشحناء والعداوة بين أفراد تلك الأسرتين، بحيث لا يطيق فرد رؤية فرد آخر من الأسرة الأخرى في أي مناسبة أو لقاء عام.

كما أن الأمر ينتقل لأسرة أخرى مستقرة، فإذا كانت هناك عائلتان بينهما علاقة زواج بين عدد من أفرادهما الذكور والإناث، فإنه عند حدوث تفكك لأسرة واحدة، فقد يلجأ بعض الآباء أو الأمهات إلى نقل أثر هذا التفكك إلى أسرة أخرى، من باب الانتقام أو للضغط على العائلة الأخرى بجميع أفرادها، وتحميلهم مشكلات فرد واحد منهم، وقد تكون النتيجة تفكك أسرة ثانية أو أكثر.

• آثار التفكك الأسري على الأبناء

إن الأبناء في ظل هذا التفكك الأسري قد تمتد إليهم أيدي المجرمين، الذين يتخذون منهم وسيلة لنشر السموم، أو سرقة الآخرين، وتصبح الطفولة البريئة طريقًا للانحراف، وتشهد محاكم الأحداث صورًا من الجرائم التي يرتكبها الأطفال الذين لم يعيشوا في أسرة مترابطة.

كما أن هؤلاء الأطفال الذين فقدوا حياة الأسرة الآمنة المطمئنة تستهويهم غالبًا حياة التمرد والإدمان، ويتحول هؤلاء في المستقبل إلى طاقة معطلة أو مدمرة، ويرتد هذا على المجتمع بخسارة فادحة تعوق نموه.

إن كل من ينشأ في أسرة لا تعرف غير العواطف النبيلة والمشاعر الطيبة والتوجيه الحكيم والحنان الفطري، تكون نشأته سوية تكسبه قوة في الجسم والعقل، وتجعل منه في المستقبل طاقة مبدعة، ولهذا كان الأبناء الذين لا ينشئون في أسر، ولا يذوقون حنان الأبوين، ولا يتمتعون بما يتمتع به سواهم ممن شبوا في رعاية الوالدين، مهما تُوفر لهم دور الرعاية الاجتماعية وملاجئ اللقطاء أسباب الصحة الجسمية، فإنهم يشكلون خطرًا على المجتمعات.

من هنا يبدو واضحًا مدى خطورة تفكك الأسرة على الأبناء، إذا لا تقتصر آثاره على تخلفهم الدراسي والخلقي وعدم الإسهام في نهضة المجتمع وقوته، وإنما تمتد لتؤكد مشكلة خطيرة تتطلب الوقوف عندها، وهي ما يسمى بـ(صراع الأجيال)، التي ساعد على تفاقمها بالإضافة إلى التفكك الأسري اتساع الهوة بين الآباء والأبناء في ظل التطور الحضاري المادي المذهل… كما أن لوسائل الاتصال المعاصرة دورها في هذه المشكلة، وكذلك القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت (Internet)، لما تقدمه من انفتاح كبير على عالم الغرب بسيئاته وحسناته.

أيضًا يجب العلم أن فقدان الابن للموارد الاقتصادية في غالب الأحيان تؤدي إلى السرقة والنهب والكذب والتحايل حتى يقضي بذلك احتياجاته ومتطلباته الاقتصادية التي يحتاج إليها لعدم توفرها في أسرته. كذلك حرمان الطفل من الدعم المادي، يحرم الطفل من مواصلة تعليمه وإهماله لمظهره الخارجي من حيث النظافة واللباس.

“اقرأ كذلك: سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي“

التفكك الأسري ونشر الانحراف

يؤدي التفكك الأُسري في بعض الأحيان إلى تهيئة الظروف لانحراف أفراد الأسرة، خصوصًا الأولاد من البنين والبنات، فعندما تتفكك الأسرة ويتشتت شملها، ينتج عن ذلك شعور لدى أفرادها بعدم الأمان الاجتماعي، وضعف القدرة لدى الفرد على مواجهة المشكلات، وتحوله للبحث عن أيسر الطرق وأسرعها لتحقيق المراد، دون النظر لشرعية الوسيلة المستخدمة في الوصول للهدف، فيصبح المذهب الميكافيلي هو الموجه لسلوك الفرد، وتصبح الشخصية الميكافيلية هي المسيطرة، وفي هذا تغييب للضمير وعدم الالتزام بالمعايير والنظم الاجتماعية التي توجه سلوك الأفراد نحو الطرق المقبولة لتحقيق الأهداف بصورة مشروعة.

يؤدي تعاطي الشخص للمخدرات إلى الانحراف وإلى الجريمة والاحتيال لتوفير المخدر لنفسه، وقد يحاول المدمن على المخدرات الانتحار بدون أن يكون إدمانه هو السبب، ولكن الشيء الذي لا نقاش حوله هو أن نسبة خطر الانتحار عند المدمنين على المخدرات معتبرة. كذلك فإن المخدرات سبب في ظهور عدة انحرافات وجرائم كالسرقة والاغتصاب وحوادث السيارات والتهريب، بالإضافة إنها تؤدي إلى الوفاة في معظم الأحيان.

“تعرف على: فنون التعامل مع المراهقين“

آثار التفكك الأسري على المجتمع

العلاقات الأسرية هي أساس للعلاقات الاجتماعية الأوسع وهي من الركائز الأساسية في العلاقات الإنسانية عامة، حيث إن التماسك الأسري مطلب مهم للحفاظ على تماسك المجتمع وللإبقاء على القيم السليمة به؛ ولهذا فإن التفكك الأسري يعوق تحقيق الأسرة لرسالتها المجتمعية ويعمل على تصدع وحدة وقوة النظام الاجتماعي.

طرق الوقاية من التفكك الأسري

هناك حلول عديدة لمحاولة علاج التفكك الأسري أو التصدع الأسري، ومنها التالي:

• تقوية إيمان الفرد وذلك بطاعة ﷲ سبحانه وتعالى وذكره بشكل دائم.
• بناء الأسرة على الأسس الصحيحة ضمن تعاليم الإسلام.
• عدم التدخل في حياة الزوجين وخاصة الأهل.
• على الزوجين العمل على تحقيق السعادة الزوجية بينهما.
• مراقبة الأبناء ومحاسبتهم عند الخطأ، وتقديم النصح اللازم لهم.
• سن قوانين صارمة لحماية الأبناء من استغلال والديهم المتنازعين لهم.
• محاولة اللجوء للمؤسسات الصحية لتخفيف التوتر والقلق والعداوة بين الزوجين عن طريق المساعدة والإرشاد الزوجي لدى المؤسسة.
• المساواة بين الأبناء عن طريق الآباء حتى لا تنتشر روح البغض والكره بين الأولاد.
• تجنب أي شكل من أشكال العنف ضد الأطفال بداخل الأسرة، وتجنب أي نوع من العنف الأسري أو الصراع بين الزوجين.
• التعود على مشاركة الاهتمامات والمشاعر بين كل أفراد الأسرة.
• التسرع في حل الخلافات والمشكلات بين أفراد الأسرة حتى لا تزداد، وعدم البعد عن تركها دون حل.
• توعية الآباء والأمهات بالتعامل السليم مع الأبناء في حالة الانفصال للوقاية من تعرضهم للإدمان.
• العمل على تعديل سلوك الطفل بشكل صحيح من خلال اتباع طرق التربية الإيجابية الصحيحة.

“قد يهمك: تأثير الألعاب الإلكترونية على الطفل“

خلاصة المقال

إن قوة المجتمع ونهضته من قوة الأسرة ومتانة العلاقة بين أفرادها، فإذا ساد التفكك الأسري فإن المجتمع يفقد أهم رافد من روافد قوته واستقراره، وعادة ما ترتبط المخدرات بظروف المجتمع المتغيرة ومعاناة المجتمع من الضعف والاضطراب؛ لأن التفكك الأسري يُعطل الطاقات البشرية عن الإنتاج ويدفعها إلى مجالات التخريب والتدمير ونشر الجريمة وإشاعة الخوف بين الناس ويجعل العلاقات الاجتماعية بينهم أوهى من خيط العنكبوت، وكل هذا يُعرقل مسيرة التطور والتنمية في المجتمع ويقضي على التقدم ويُفقد القوة الدافعة نحو التجديد والبناء.

من المعروف أن المجتمع يمر بتغيرات اجتماعية واقتصادية أدت إلى ارتفاع مطرد في جرائم المخدرات؛ لذلك فالوقاية من هذه الظاهرة (ظاهرة المخدرات) أصبح ضرورة حتمية تتشارك فيها مختلف الجهات والمؤسسات الاجتماعية الرسمية والغير الرسمية ومنها الأسرة، وذلك بهدف الحفاظ على أفراد الأسرة والوقاية من أضرار المخدرات عن طريق التنشئة الاجتماعية السليمة وضبط السلوك.

• هناك علاقة بين الطلاق والتفكك الأسري.
• هناك علاقة بين هجر الوالدين والتفكك الأسري.
• أيضًا هناك علاقة بين وفاة أحد الوالدين والتفكك الأسري.
• ظاهرة التفكك الأسري من أهم مقومات انتشار ظاهرة المخدرات.

في هذه المقالة تعرفنا على مفهوم التفكك الأسري وأثره “Disintegration of the family”، وذلك من حيث التعرف على أسباب التفكك الأسري، وآثار التفكك الأسري على المجتمع، وآثار التفكك الأسري على الأبناء، ودور التفكك الأسري في الاتجاه إلى الإدمان ونشر الانحراف، وفي النهاية وضعنا عددًا من طرق الوقاية من التفكك الأسري، وندعو الله تعالى بأن يحمي أسر المسلمين من كل شر وسوء.