كيف تخطط أوروبا لحماية نفسها دون أمريكا؟ هل تنجح خطتها؟

How does Europe plan to protect itself without America? Will its plan succeed?

العلاقة الدفاعية بين الولايات المتحدة الأمريكة وأوروبا، التحديات التي تواجه المشروع الدفاعي الأوروبي المشترك، وهل تستطيع أوروبا الاستقلال الدفاعي عن أمريكا؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

هل اقتربت لحظة الانفصال الاستراتيجي؟ هل انتهى زمن الحماية الأمريكية؟ الولايات المتحدة تنسحب خطوة بخطوة، وأوروبا تبحث عن طريق جديد. التهديدات تتزايد، والقارة العجوز تشعر بالخطر. في هذه المقالة، نكشف كيف تخطط أوروبا لحماية نفسها دون أمريكا. هل ستنجح خطتها، أم أن الفكرة أكبر من قدراتها؟


الولايات المتحدة الأمريكية وحماية القارة العجوز

لطالما اعتمدت أوروبا على الولايات المتحدة الأمريكية في تأمين مظلتها الدفاعية منذ تأسيس حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد الحرب العالمية الثانية. لكن في السنوات الأخيرة، وتحديدًا منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة، بدأ هذا التوازن يتغير. صرّح ترامب مرارًا بأن أمريكا لن تدفع بعد اليوم لحماية الأوروبيين مجانًا، وطالب دول الناتو برفع إنفاقها الدفاعي، ملوحًا بانسحاب جزئي من الالتزامات العسكرية.

في ذلك الوقت، اعتبرت أوروبا هذا مجرد خطاب انتخابي، لكن عندما عاد ترامب إلى المشهد في عام 2024 وأعاد تأكيد موقفه، أصبح التهديد واقعيًا. أدركت أوروبا أن الاعتماد الكامل على أمريكا لم يعد خيارًا آمنًا، وأن عليها أن تبني قوتها الدفاعية بنفسها. في ظل هذه المتغيرات، بدأت أوروبا بصياغة خطة استراتيجية متكاملة تهدف إلى بناء قدرة دفاعية مستقلة، تشمل رفع الإنفاق العسكري.

استجابةً لضغوط واشنطن، وافقت دول أوروبية رئيسة مثل ألمانيا وفرنسا على رفع إنفاقها العسكري إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الأقل، وبعضها بدأ يناقش رفع النسبة إلى 3% أو حتى 5%. هذه الخطوة تعني ضخ مليارات إضافية في ميزانيات الدفاع، ما يفتح الباب لتطوير صناعات تسليح محلية أكثر قوة واستقلالية.

تمتلك أوروبا بالفعل شركات ضخمة في مجال الصناعات الدفاعية مثل “داسو” الفرنسية و”راينميتال” الألمانية، لكنها كانت تعتمد سابقًا على الشراكة مع أمريكا. اليوم، هناك توجه واضح نحو تصنيع المقاتلات، الدبابات، الطائرات المسيّرة، وحتى الأقمار الصناعية العسكرية محلّيًا. وقد تلقى مشروع FCAS المشترك بين فرنسا وألمانيا وإسبانيا، والذي يهدف إلى تطوير أول مقاتلة أوروبية من الجيل السادس كبديل مستقبلي عن F-35 الأمريكية، دفعة قوية.

“قد يهمك: عقوبات أمريكية على Garantex لوقف تمويل الحوثيين


التعاون الأمني الأوروبي: خطوة نحو الاستقلال؟

إحدى الخطط الاستراتيجية لتعزيز الاستقلال الدفاعي تتمثل في تعزيز التعاون الأمني داخل القارة. فعّل الاتحاد الأوروبي ما يُعرف بـ”التعاون المنظم الدائم” (PESCO)، وهي مبادرة تهدف إلى دمج الجهود الدفاعية للدول الأعضاء. من خلال هذا التعاون، تُنفذ مشاريع مشتركة لتطوير المعدات والتكنولوجيا، بالإضافة إلى إجراء تدريبات عسكرية منسقة. الهدف هو بناء عمود فقري دفاعي أوروبي يشبه إلى حد ما فكرة جيش أوروبي موحد.

“قد يهمك: كيف تستطيع الصين غزو تايوان دون إطلاق رصاصة واحدة


التحديات التي تواجه المشروع الدفاعي الأوروبي

رغم الطموحات الكبيرة، تواجه هذه الخطة تحديات حقيقية، أبرزها:

  • الاختلافات في الأولويات الأمنية: لا تتفق الدول الأوروبية على طبيعة التهديدات التي تواجهها. فبينما ترى بولندا وبلدان البلطيق أن روسيا هي التهديد الأكبر، ترى إسبانيا وإيطاليا أن الهجرة غير النظامية والتهديدات القادمة من الجنوب أكثر خطورة. هذا التباين يجعل من الصعب وضع عقيدة دفاعية موحدة أو تحديد أولويات إنفاق متناسقة.
  • التفاوت في القدرات العسكرية: تمتلك دول مثل فرنسا وألمانيا قدرات تسليحية وصناعية متقدمة، في حين تعتمد دول أخرى بشكل شبه كلي على الدعم الأمريكي أو ميزانيات دفاع متواضعة. بناء توازن حقيقي داخل التحالف الأوروبي يتطلب سنوات من التنسيق والتمويل والدعم المشترك.
  • غياب الإرادة السياسية الواضحة: رغم الخطابات القوية، لا تزال بعض الدول الأوروبية تتردد في اتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة قد تزعج واشنطن، مثل تطوير قدرات نووية أوروبية مستقلة. كما لم يُحسم بعد موقف الاتحاد الأوروبي من مستقبل العلاقة مع الناتو، وهل يمكن الجمع بين العضوية فيه وامتلاك جيش أوروبي مستقل.

“قد يهمك: اكتشافات علمية ثورية: من القارات المفقودة إلى تأثير العصر الجليدي الأصغر


هل تستطيع أوروبا الاستقلال عن أمريكا؟

تاريخيًا، شكلت الولايات المتحدة الركيزة الأساسية لأمن أوروبا. في الحرب الباردة، كانت صواريخ واشنطن هي التي تردع السوفييت، وفي الحروب الحديثة، كانت أمريكا تقود العمليات الجوية والاستخباراتية من البلقان إلى ليبيا. لكن خلال العقد الأخير، بدأت الولايات المتحدة تعيد تموضعها نحو المحيط الهادئ لمواجهة الصين، وتقليل تدخلها في ملفات الشرق الأوسط وأوروبا. هذا التحول أرسل إشارة واضحة: أمن أوروبا لم يعد أولوية قصوى لدى واشنطن، وعلى القارة العجوز أن تعيد حساباتها.

بينما تطالب واشنطن الأوروبيين بتحمل مزيد من الأعباء، تراقب بحذر فكرة بناء قدرة دفاعية مستقلة قد تقلص من نفوذ الناتو. لا تزال الولايات المتحدة ترى في الناتو أداة لضمان القيادة الغربية الجماعية، وتشعر بالقلق من أن تؤدي المبادرات الدفاعية الأوروبية إلى تهميش دورها. مع ذلك، لم تعارض واشنطن هذه التحركات صراحة، بل تفضل أن تظل أوروبا تحت المظلة الأمريكية حتى وهي تقوي قدراتها.

ربما تكون الخطوات الحالية بداية طويلة الأمد لمشروع دفاعي أوروبي طموح لن يتحقق بين ليلة وضحاها، ولن يكون بديلًا كاملًا عن الناتو في المستقبل القريب، لكنه يمثل تحولًا جوهريًا في عقلية الأمن الأوروبي. فبدلًا من الاعتماد المطلق على الولايات المتحدة، تسعى أوروبا إلى بناء شراكة متوازنة تستطيع من خلالها حماية حدودها وإدارة أزماتها حتى في غياب الدعم الأمريكي الكامل.

السؤال الأهم موجه لك: هل يمكن لأوروبا أن تحمي نفسها دون أمريكا، أم أن الناتو سيبقى الضامن الوحيد لأمنها لعقود قادمة؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد