ليلة القدر؛ كيفية اغتنام هذه الليلة العظيمة وتحديد متى تكون بالضبط؟

ليلة القدر (Qadr Night)؛ هي فرصة من فرص العمر العظيمة التي يجب اغتنامها حق اغتنام، ففيها تُحقق الدعوات وتُجبر الخواطر، وقد قال الله تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾، وهي من نعم الله تعالى التي لا تُعد ولا تُحصى على عباده؛ فهي أهم ليلة من بين 365 يوم خلال العام، وقد كرمها الله تعالى وأنزل سورةٍ تحمل اسمها والتي تبدأ بقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر)، وقِيل أنها سُميت بهذا الاسم؛ لأن الله تعالى أنزل فيها كتاب ذو قدر، على رسولٍ ذي قدر، لأمة لها قدرٍ.

متى ليلة القدر؟

هناك اختلاف بين العلماء في تحديدها، ويوجد أكثر من 40 قول ورأي، ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه (فتح الباري في شرح صحيح البخاري)، وهذه الأقوال البعض منها مرجوح، والبعض شاذ، والبعض الآخر باطل، وأكد جمهور العلماء أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، ولكنهم اختلفوا في كونها أي ليالي العشر أرجح على أقوال كثيرة منها:

• قول الصحابة والتابعين أنها في ليلة 23، وقال الشافعية أنها في ليلة 21، وغيرهم قال أنها في عدد ليالٍ أخرى في العُشر الأخير.
• أتى أسلم الأقوال أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان، وأنها تنتقل فيما بين ليالي العشر، فمن تمكن من قيام الليالي العشر كلها واستغلالها كاملة بالعبادة فقد أصاب ليلة القدر حتمًا.
• جاء في قول ابن تيمية: “ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان، هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتكون في الوتر منها”.
• هنا ذكر أيضًا الحافظ ابن حجر في الفتح: “أرجح الأقوال أنها في الوتر من العشر الأخير، وأنها تنتقل”.
• نظرًا لكثرة الاختلاف بين المطالع والبلدان في تحديدهم لبداية الصوم، فإنها تُطلب في الأشفاع من العشر الأواخر كما تُطلب في الأوتار، لأن الليلة قد تكون وترًا في بلد، وتكون شفعًا في بلد أخرى.

“قد يهمك: نبي الله يونس عليه السلام“

فضل ليلة القدر Qadr Night

ليلة القدر لها فضائل عظيمة خصها الله تعالى بها على سائر ليالي العام، وعظمها جل جلاله في القرآن الكريم والسنة النبوية بالأحاديث الشريفة التي تتحدث عنها أجل تعظيم، وسوف نذكر بعض أفضالها وأسباب تفردها عن غيرها من ليالي العام فيما يلي:

• تنزيل الله تعالى للقرآن مِن اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وأن جَعله هداية للناس ومنهج من مناهج حياتهم، وكذلك نزله تعالى ليلًا؛ لأنه وقت يناجي فيه العبد ربه وهو قلبه فارغ من المشُتتات، وتهبط فيه النفحات من الله تعالى على عباده، وأنه أفضل من النهار.
• يُستخدم الاستفهام عن الشيء لتفخيمه وتعظيمه، وقد استفهم سبحانه وتعالى عن ليلة القدر في قوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾، مما يؤكد عظمة هذه الليلة؛ كونها خيرٌ من ألف شهر كما ذُكر في القرآن الكريم (The Holy Quran)، والألف شهر يساوي: ثلاثة وثمانين عام وأربعة أشهر، بل هي أكثر خيرًا من ذلك، فانظر إذًا إلى هذا الثواب العظيم من الله الكريم.
• نزول الملائكة في ليلة القدر المُباركة وذلك لما جاء في قول الله تعالى: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَة﴾ فتمتلئ الأرضُ حتى تضيق بهم، وبعد ذلك قال تعالى: ﴿وَالرُّوحُ فِيهَا﴾ مما يخصص جبريل بذاته تعظيمًا وتشريفًا لمكانته.
• أتى من أوصافها أنها سلام؛ لكثرة مَن يَسلمون فيها من الشرور والآثام وهذا شيء عظيم؛ فيكفي أن يسلم العبد من الآثم.
• في الحديث الشريف للنبي صلى الله عليه وسلم عن قيام ليل رمضان، نرى أنه فرده بحديث، فقال: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))، ثم أفرد القيام في ليلة القدر بحديث، فقال: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه)).

“تعرف على: الدواوين في الدولة الإسلامية“

كيفية اغتنام هذه الليلة العظيمة؟

لما رأينا من أفضال عظيمة لليلة القدر؛ فعلينا اغتنامها حق اغتنام؛ فهي ليلةٍ واحدةٍ على مدار عام كامل ينال فيها العبد عظيم الأجر والثواب والمغفرة لذنبه، ومن هُنا نوضح كيفية اغتنام هذه الليلة العظيمة فيما يأتي:

• نبدأ الاستعداد لها مع الفجر فنصليه، ومن ثم نقرأ أذكار الصباح كاملةٍ ونحرص على قول:”لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير” لما لها من عظيم الأجر.
• الحرص على إفطار صائم، بدعوته أو إرسال إفطار إليه، أو دفع المال لإفطاره، وبهذا العمل تكون نلت أجر مثل أجره تمامًا، فيُضاعف أجرك في هذا اليوم.
• عندما يحل الغروب أكثر من الدعاء أيضًا، ومن بين دعائك اطلب من الله إعانتك وتوفيقك لقيام ليلة القدر واسأله كل ما تشاء فاغتم من دعائك في هذه الليلة غنيمة جيش منتصر بعد حرب طويلة.
• احرص على تجهيز قدر كبير من الصدقات لليالي العشرة عامة ولهذه الليلة خاصة، فلا تفوت أي ليلة من ليالي الوتر إلا وتخرج فيها صدقة ولو اضطررت لادخار صدقاتك وإخراجها في تلك الأيام تحديدًا.
• الحرص على الفرائض ومعها السنن، مثل الترديد مع المؤذن ثم قل: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا.
• التبكير بالفطور وليكن رطبًا محتسبًا أيضًا، ولا تنس الدعاء في هذا الوقت، ثم توضأ وقم للصلاة، ثم اشغل بقية ليلتك في الدعاء، والذكر، وتلاوة القرآن، وأغدقها بالقيام ما استطعت.

“قد يهمك: الأشهر الحرم“

علامات ليلة القدر

جاء في ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن ليلة القدر لها علامات مقارنة وعلامات لاحقة، فأما عن ما ذُكر من العلامات المقارنة في تلك الليلة: قوة إضاءة تلك الليلة، الشعور بطمأنينة في القلب، الشعور بانشراح في الصدر، سكون الرياح فيها. أما ما جاء في الذكر من العلامات اللاحقة أن: الشمس تطلع في صبيحة ليلة القدر بدون شعاع ودلل على ذلك بذكره لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رُوي عن أُبي بن كعب في صحيح مسلم عن ليلة القدر أنه قال: (أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها).

“قد يهمك: النظام المالي في الإسلام“

دعاء ليلة القدر

علَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السيدة عائشة -رضي الله عنها- دعاء مخصوص لليلة القدر لتُكثر تكراره فيها في حديثٍ روته السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فقد قالت: (يا رسولَ اللَّهِ، أرأيتَ إن وافقتُ ليلةَ القدرِ ما أدعو؟ قالَ: تقولينَ: اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي). هذا الدعاء ليس لليلة القدر فحسب، بل يمكن للمسلم أن يدعو الله به في جميع أوقات حياته فهو دعاء عظيم وله معنًا عظيمًا، فإن عفا الله عنا فقد فزنا.

لا تتكاسل بعد رمضان

يجب على المسلم بعد انتهاء شهر رمضان أن يستمر في الطاعات والعبادات التي كان يفعلها خلال الشهر الكريم. فلا ينبغي له التراخي أو التكاسل عن تلك الأعمال، فإله رمضان هو إله كل الشهور، ويجب على المسلمين تحفيز بعضهم البعض على العبادات بعد رمضان. تذكر أخي الكريم دائمًا أن الحياة الدنيا قصيرة وأن طاعة الله هو الهام لك في حياتك وبعد مماتك.

ختامًا لقد ذكرنا أهم فضائل ليلة القدر العظيمة Qadr Night والتي تأتي في يوم واحد من بين 365 يوم على مدار العام فهي الليلة الأهم على الإطلاق، أي مرة واحدة مخصصة لقدومها، وذكرنا كيفية اغتنامها لنيل أفضالها قدر ما يمكن واغتنام أجرها الهائل، وتحديد متى تكون بالضبط؟ فمن اغتنمها حق اغتنام فقد فاز فوزًا عظيمًا، ومن ضاعت من بين يديه هباءٍ فأقل ما يفعل أن يعض على أنامله من شدة الندم؛ لأنها لا تعوض ولا يكررها العام.