الأشهر الحرم؛ لماذا سميت بهذا الاسم؟
الأشهر الحرم؛ في التقاليد العربية قبل الإسلام وبعده توجد شهور مباركة، وهي شهر ذي القعدة، ذو الحجة، محرم، ورجب، وهي تسمى بالـ “الأشهر الحرم”، وهذه الأشهر يحرم فيها القتال – عدا الرد على العدوان – حيث قال الله -عز وجل- في كتابه الكريم “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ…” {الآية (36) سورة التوبة}، وهنا في هذا المقال سوف سنبين لماذا سميت الأشهر الحرم بهذا الاسم؟ وفضل الأشهر الحرم، وترتيب الأشهر الحرم، وهل يجوز الصيد في الأشهر الحرم؟ وما هي أفضل الأعمال في الأشهر الحرم؟ والأشهر الحرم قبل الإسلام وبعده.
قائمة المحتويات
لماذا سميت الأشهر الحرم؟
تعددت الآراء حول سبب تسمية الأشهر الحرم بهذا الاسم، فذهب البعض إلى أنها سميت بذلك لأن الله تعالى حرم فيها القتال حيث قال “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ“، وذهب البعض الآخر إلى أنها سميت بذلك لأنها تتضاعف فيها السيئات كما تتضاعف الحسنات.
يوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية سبب تسمية الشهور الحرم بهذا الاسم، حيث سُمِّيَت بهذا الاسم: لزيادة حرمتها، وعِظَم الذنب فيها، ولأن الله – سبحانه وتعالى- حرَّم فيها القتال، فقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ…} [البقرة: 217]، ويقول الدكتور حلمي عبد الرؤوف – الأستاذ بجامعة الأزهر- سميت هذه الأشهر حرمًا لتحريم القتال فيها ولتحريم انتهاك الحرمات فيها أكثر من غيرها.
الأشهر الحرم في القرآن الكريم
أشار القرآن الكريم إلى الشهور الحرم في قوله تعالى: «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» (التوبة: 36).
الشهور الحرم في السنة النبوية
ورد تحديد الشهور الحرم عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» رواه البخاري.
“قد يهمك: فضل القرآن الكريم“
فضل الأشهر الحرم
تتميز الشهور الحرم بعدة خصائص عن غيرها من الشهور، وأهم 4 خصائص لها هي التالي:
- مضاعفة الحسنات والسيئات فيها.
- تتميز بأفضلية الصيام فيها، وخاصة شهر محرم حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم- “.. وَأَفْضَلُ الصِّيَام بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّم“.
- ذهب الشافعية والحنابلة إلى تغليظ دية القتل في الشهور الحرم وذلك خلافًا للحنفية والمالكية.
- شرفها الله -عز وجل- بأن جعل فيها فريضة الحج، كما جعل فيها أفضل أيام السنة “العشر الأوائل من ذي الحجة”، وأعظم أيامها “يوم عرفة”، وفيها يوم عاشوراء الذي يكفر صيامه سنة من الذنوب؛ كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أدى العمرة أربع مرات في الشهور الحرم.
“اطلع على: الطفل العنيد“
ترتيب الأشهر الحرم
الأشهر الحُرُم عددها أربعة أشهر، كما ورد ذلك في قول الله -تعالى-: “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّـهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّـهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ فَلا تَظلِموا فيهِنَّ أَنفُسَكُم“، وهذه الأشهر على الترتيب والتوالي هي: ذي القعدة، وذي الحجة، والمُحَرَّم، ويأتي رجب منفردًا.
“قد يهمك: الدواوين في الدولة الإسلامية“
هل يجوز الصيد في الأشهر الحرم؟
في الأصل أن الصيد يُحرم على المحرم بالحج والعمرة أو في أرض الحرم المكي أو المدني؛ وذلك لقوله تعالى “أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ” [المائدة:96]، أما بخصوص الصيد فهو مباح في كل مكان وزمان طالما لا يخالف الشرع.
“اقرأ كذلك: تزكية النفس“
ما هي أفضل الأعمال في الأشهر الحرم؟
من فضل الله وكرمه أن أقام مواسم لعباده الصالحين ليُضاعفوا فيها أعمالهم الصالحة، وكانت الأشهر الحُرُم من أعظم وأهم هذه المواسم، وفيما يلي نوضح أفضل الأعمال في الأشهر الحرم:
- فريضة الحج وهي من أعظم العبادات وتعد أحد أركان الإسلام الخمسة (the five pillars of Islam)، ومعلوم أنها تؤدي في شهر ذي الحجة وهو أحد الأشهر الحُرُم الأربعة.
- الصيام: تتميز الأشهر الحرم بأفضلية الصيام فيها خاصة:
- شهر محرم، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم- “.. وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ“.
- يوم عاشوراء وذلك لما جاء في صحيح مسلم أنّ النّبي -صلّى الله عليه وسلم- سُئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: يُكفّر السّنة الماضية».
- أما عن فضل صيام يوم عرفة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- “يكفر السنة الماضية والسنة المستقبلة“.
- الدعاء والتضرع إلى الله وخاصةً يوم عرفة:قال رسول الله «خيرُ الدُعاءِ يوم عرفةَ وخير ما قلت أنا والنَبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلِ شيءٍ قدير».
- الإكثار من الصدقات في الشهور الحرم.
- من أفضل الأعمال وأكثرها تقربًا إلى الله في هذه الأشهر أيضًا الإكثار من النوافل.
- الإكثار من ذكر الله.
- قراءة القرآن الكريم.
“اقرأ أيضا: ما هي الأرزاق المنسية“
الأشهر الحرم قبل الإسلام وبعده
تسمية الشهور الأربعة الحرم عند العرب قديمًا تبدأ بشهر ذي القعدة؛ لأن العرب تقعد فيه عن القتال على اعتباره من الأشهر الحرم، ويأتي بعده ذو الحجة لأن العرب عرفت الحج في هذا الشهر، فيما يأتي رجب لأن العرب كانوا يعظمونه بتركهم القتال فيه، ولم يكن العرب يمتنعون عن الصيد في تلك الأشهر، إلا أنه في الإسلام مُنع الصيد في في المدينة المنورة ومكة المكرمة وقت الإحرام بحج أو عمرة.
يعد أحد أهم أسباب الأشهر الحُرُم عند العرب، هو تمكين الحجاج والتجار على حد سواء من الوصول بأمان لمواقع الحج والتجارة، والتي تكون قرب مكة في سوق عكاظ وسوق مجنة وسوق ذي المجاز، ليأمن العرب على تجارتهم فيها.
يُعد النسيء واحدًا من محاولات خرق الأشهر الحرم في الجاهلية ونقل شهر بدل شهر آخر كما تذكر ذلك كتب التاريخ، فأول من نسأ الشهور هو جنادة الكناني، وكان يقف عند جمرة العقبة، ويقول: اللهم إني ناسئ الشهور وواضعها مواضع لا أعاب ولا أحابى، ويقول: اللهم إني أحللت أحد الصفرين وحرمت صفر المؤخر، وتعريف النسيء أن العرب تطول عليها المدة، فيقعدون ذا القعدة ويحجون ذا الحجة، وإذا رجعوا في بداية شهر محرم حللوا القتال فيه، وأخروا حرمة الشهر لصفر، كما تذكر بعض المراجع التاريخية.
من النسيء أيضًا نقل الشهر للعام المقبل، حيث يحلل العرب محرم ويعوضون مكانه صفرًا من العام المقبل، وهذا ما حرمه الإسلام، كما في قوله تعالى: “إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ“.
يذكر المفسر البغوي في تفسيره أن النسيء استمر في العرب 40 عامًا، وربما يحجون في أشهر مختلفة، فحجوا في ذي الحجة عامين وفي محرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، حتى جاء الإسلام وحج الرسول في سنة 9 للهجرة في الشهر الذي شُرع في الحج، وخطب خطبته الشهيرة في حجة الوداع وبين المواقيت والنسيء في تلك الحجة.
تشير كتب السير والتاريخ إلى أن بداية الأشهر ذو القعدة، وهو المسير نحو البيت، حيث يحط السلاح ولا يكاد يسمع له صوت، فلا سليل سيوف ولا صوت خيل ولا عدو راجلين في تلك الأشهر، وكانت العرب قد أخذت العادة من سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، حين رفع القواعد للبيت العتيق، وأذن في الناس بالحج، لتنتقل لأكثر من أربعة آلاف عام، وسارت عليها العرب حتى ظهور الإسلام في مكة، ويأتي القرآن الكريم مصدقًا لهذه الشهور الحرم بقوله: “إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم“.
جاء الإسلام ليؤكد هذه العادة عند العرب، وتستمر الشهور الحرم كما سماها رسول الإسلام والقرآن الكريم، حيث أصبحت كما هي قبل الإسلام لتمتد بعده، وحرم الإسلام النسيء.
في هذا المقال تعرفنا على الأشهر الحرم The months of the sanctuary، ولماذا سميت الأشهر الحرم؟ كما تعرفنا على فضل الأشهر الحرم، وما هي أفضل الأعمال في الأشهر الحرم؟ وأجبنا على سؤال هل يجوز الصيد في الأشهر الحرم؟ وعرفنا أن الأشهر الحرم هي أربعة (محرم/ رجب/ ذو القعدة/ ذو الحجة)، وعلمنا أن القتال في الأشهر الحرم محرم إلا في حالة رد العدوان، وعرفنا أيضًا أن الأشهر الحرم ذكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية.
