الاكتئاب مرض العصر؛ وأسبابه وأنواعه وطرق العلاج المختلفة

الاكتئاب مرض العصر؛ وأسبابه وأنواعه وطرق العلاج المختلفة

الاكتئاب مرض العصر (Depression is a disease of the age)، وهو أكثر اضطرابات الصحة العقلية شيوعًا على مستوى العالم، ويمكن وصفه بأنه الشعور الدائم ولفترات طويلة بالحزن وعدم الرغبة في الاختلاط أو المشاركة في الحياة العامة والأنشطة اليومية، والميل الدائم للبكاء والعزلة، والشعور باليأس وانعدام القيمة والإحباط.

كما قد يكون مصحوبًا بانعدام الرغبة في الأكل أو الإفراط في الأكل بصورة مبالغ فيها، مما يؤدي إلى فقدان شديد للوزن أو زيادته بصورة مفرطة. في هذا المقال سوف نتعرف بشيء من التفصيل على أعراض الاكتئاب وأسبابه وأنواعه وطرق العلاج المختلفة.


ما هي الأسباب الشائعة التي قد تؤدي إلى الاكتئاب؟

هناك العديد من الأسباب الشائعة التي قد تؤدي بنسبة كبيرة إلى دخول الشخص في نوبات من الاكتئاب في مراحل عمرية مختلفة. وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية (Global Health Organization) فإن ما يزيد عن ٥ % ممن يعانون من الاكـتئاب في دول العالم من البالغين، و ٥,٧ % منهم من الأشخاص البالغين الذين تزيد أعمارهم عن ٦٠ سنة. يمكننا تلخيص بعض أسباب الاكتئاب مرض العصر في النقاط التالية على سبيل المثال وليس الحصر:

١- التاريخ العائلي

قام فريق بحثي بريطاني بعمل تجارب وأبحاث ودراسات على العائلات التي لها تاريخ وراثي من الاكتئاب، وتوصلوا إلى أن حوالي ٤٠% من الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب لديهم ارتباط وراثي، وبالتالي أطلقوا على هذه الحالة اسم “الاكتئاب الجيني”، حيث يمكن أن يؤدي وجود أحد أفراد الأسرة المقربين مثل الوالدين أو الأشقاء الذين يعانون من الاكتئاب إلى زيادة خطر الإصابة بهذه الحالة بنسبة تصل إلى 3 مرات. كما أظهرت الأبحاث أيضًا أن خللًا في جين ناقل السيروتونين يمكن أن يسبب اكتئابًا وراثيًا.

٢- نوع الشخصية

يقصد بذلك أن يكون الشخص بطبيعته كثير القلق، أو يعاني من قلة الثقة بالنفس، أو كثير اللوم لذاته وغير ذلك، وقد تؤدي العوامل البيئية الخارجية على تعزيز هذا الشعور لدى الشخص مما يزيد من نسبة تعرضه للاكتئاب. كأن يتعرض للنقد المستمر ممن حوله أو للإحباطات المتتالية نتيجة فشله في شيء معين، أو تعرضه للاضطهاد أو لمشكلة التنمر أو للعنف بشكل أو بآخر.

للعلم فقد توصلت الأبحاث إلى أن أكثر أنماط الشخصيات المعرضة للإصابة بالاكـتئاب هي الشخصيات الحساسة أو العاطفية أو الانطوائية، حيث تميل تلك الشخصيات عند تعرضها لحادث سلبي معين إلى تذكر المزيد من الأحداث السلبية التي مرت بها من قبل بشكل تلقائي.

٣- الإصابة بالأمراض الخطيرة

قد تكون الإصابة بمرض من الأمراض الخطيرة مثل السرطان من أهم أسباب الإصابة بالاكتئاب، حيث يدخل المريض في نوبات من اليأس والإحساس بأنه لا فائدة من العلاج وأن حياته على وشك الانتهاء، مما يفقده الرغبة في كل شيء. لذلك لا بد للمصابين بتلك الأمراض الخطيرة أن يتم متابعتهم نفسيًا أيضًا وتقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم في هذا التخصص.

٤- الإدمان على المخدرات والكحول

صورة بها كلمة depression على خلفية رصاصي ضمن تحديد الأسباب التي تؤدي إلى الاكتئاب
المخدرات والخمور من الأسباب التي قد تؤدي للاكتئاب

يعد الإدمان على المخدرات (مثل مخدر الآيس وغيره) أو الكحوليات من الأسباب المؤدية أيضًا للإصابة بمرض الاكتئاب، حيث يشعر المصاب بأنه لا يمتلك الإرادة التي تمكنه من التخلص من هذه العادات السلوكية السيئة لكي يعيش بشكل طبيعي ويمارس حياته بصورة منتظمة، فالإدمان يعزز عنده الشعور بالفشل المستمر والشعور بأنه منبوذ وغير مقبول من الآخرين مما يفقده الثقة في نفسه ويجعله فريسة سهلة للاكتئاب.

٥- صعوبات الحياة المستمرة

لا شك أن الحياة مليئة بالصعوبات والضغوطات المستمرة، والتي تختلف في شدتها وفي قدرة كل شخص على استيعابها وتجاوزها، مثل ضغوط العمل، والشعور بالوحدة لفترة طويلة، والتعرض للعنف، وغيرها من الصعاب. بالأعلى ذكرنا أن الشخصيات ذات الطابع الحساس والعاطفي تجد صعوبة شديدة في مواجهة تلك الصعوبات وكثيرًا ما تعجز عن تجاوزها مما يجعلها بالتالي عرضة للإصابة بمشكلة الاكتئاب.


ما الفرق بين الحزن والاكتئاب؟

صورة بها شخص حزين يضع رأسه على يديه وذلك عند الحديث عن الفرق بين الحزن والاكتئاب
الفرق بين الحزن والاكـتئاب

بعد التعرف على ما هو الاكتئاب وأهم 6 أسباب رئيسية للإصابة بهذا المرض، يجب العلم أنه كثيرًا ما تصيبنا نوبات من الحزن الشديد أو القلق والتوتر عند المرور بظروف قاسية أو الخوف من شيء ما، وهذه مشاعر طبيعية يجب ألا تصيبنا بالخوف. لذا، علينا أن نفرق بين الحزن الطبيعي لأمر عارض وبين الاكتئاب المرضي الذي يحتاج إلى تدخل طبي.

الحزن هو رد فعل طبيعي تجاه الخسائر أو الأحداث السلبية، ولكنه يكون مؤقتًا ويكون الشخص ما زال قادرًا على مواصلة حياته والتطلع للمستقبل. كما يزال محتفظًا بسيطرته على نفسه ومشاعره، مما يساعده على تجاوز تلك الحالة من الحزن بشكل تدريجي مع مرور الوقت.

أما الإكتئاب فهو حالة مرضية يستمر فيها الشعور بالحزن ولا يستطيع الشخص معه الاستمتاع بأي شيء أو التخطيط للمستقبل أو حتى مجرد التفكير فيه بإيجابية، كما أنه يشعر بالدونية ومزيج من المشاعر السلبية الأخرى تجاه نفسه.

“قد يهمك: طرق الوقاية من فيروس كورونا


ما هي أعراض الاكتئاب؟

صورة بها شاب يضع يديه على الحائط وينظر للأسفل ضمن الحديث عن أعراض الاكتئاب
أعراض هذا المرض

عند الحديث عن الاكتئاب مرض العصر، يجب أن نعلم أن هناك أنواع عديدة للاكتئاب، لذلك تختلف الأعراض ما بين نوع وآخر، ولكن هناك أعراض مشتركة تتنوع بين الأعراض الجسدية والنفسية والاجتماعية.

أولًا: الأعراض الجسدية، سوف نجد أنها:

  • صعوبة النوم ليلًا، مع الاستيقاظ باكرًا، أو النوم الزائد.
  • الشعور بالخمول وانعدام النشاط.
  • انخفاض الشهية وفقدان الوزن، أو زيادة الشهية وزيادة الوزن.
  • الصداع وآلام العضلات بلا سبب واضح.
  • اضطراب الأمعاء.
  • فقدان الرغبة الجنسية.
  • تغيرات في الدورة الشهرية عند النساء.

ثانيًا: الأعراض النفسية هي:

  • الحزن المستمر لفترات طويلة قد تصل لأسابيع وشهور.
  • ضعف الثقة بالنفس والشعور بالدونية.
  • الشعور باليأس والإحساس المستمر بالذنب.
  • الشعور بالقلق والتوتر.
  • صعوبات في التركيز واتخاذ القرارات.
  • التفكير في الموت والانتحار (انتحار مريض الاكتئاب).

ثالثا: الأعراض الاجتماعية هي:

  • الانطوائية والميل للعزلة.
  • عدم الاهتمام بالدراسة أو العمل.
  • الابتعاد عن الأهل والأصدقاء المقربين.
  • تعاطي المهدئات.

“تعرف على: التغلب على الاكتئاب بدون أدوية


كيف أعرف أني مصاب بالاكتئاب؟ ومتى تجب رؤية الطبيب؟

يكون ذلك من خلال التالي:

  • عند مواجهة أعراض الاكتئاب لأغلب الوقت ولفترات طويلة متواصلة.
  • إذا أثرت الحالة المزاجية على الحياة اليومية بشكل ملحوظ، أو على علاقة الشخص بالآخرين.
  • عند التفكير بالانتحار، أو الرغبة في الموت، أو إيذاء النفس.

أنواع الاكتئاب المختلفة

صورة بها شخص مكتئب جالس على كرسي يعاني من أحد أنواع الاكتئاب
أنواع هذا المرض المختلفة

من المهم التعرف على أنواع الاكتئاب المختلفة لأن ذلك يساعد في بناء صورة متكاملة عند استشارة الطبيب. فيما يأتي أبرز أنواع الاكتئاب:

١- الاضطراب الاكتئابي الرئيسي

يقوم الطبيب بتشخيص المريض بهذا النوع من الاكتئاب إذا كان المريض يعاني من مجموعة من الأعراض معًا في معظم الأيام لمدة أسبوعين أو أكثر، وهي:

  • فقدان الشغف للقيام بالأنشطة اليومية.
  • فقدان أو زيادة الوزن بشكل ملحوظ.
  • اضطرابات النوم.
  • الشعور بالدونية.
  • مشكلات في التركيز.
  • التفكير في الموت أو الانتحار.

٢- الاضطراب الاكتئابي المستمر

يصنف هذا النوع من الاكـتئاب بأنه مزمن لأنه من الممكن أن يستمر لسنتين أو ثلاثة، وقد يتخلص المريض من الأعراض لفترات بسيطة لمدة شهرين أو ثلاثة ثم تعود للظهور مرة أخرى، وهذه الأعراض هي:

  • الشعور بالحزن.
  • الغضب والتوتر.
  • الشعور بالذنب.
  • الإرهاق وفقدان الطاقة.
  • تغييرات في نمط الأكل.

٣- اضطراب ثنائي القطب

مريض الاكـتئاب من هذا النوع يعاني من أعراض مزاجية ونفسية أكثر حدة ، حيث يصاب بنوع من الهوس والهذيان ويحتاج لدخول المستشفى لأنه يفقد تمامًا ارتباطه بالواقع، وقد يعاني أيضًا من الأعراض الآتية:

  • الإعياء والأرق.
  • آلام بدون سبب واضح.
  • التوتر والقلق.
  • الحيرة والفوضى وقلة التنظيم.

٤- الاضطراب العاطفي الموسمي

هذا النوع من الاكـتئاب يصيب الإنسان في فصول معينة من السنة، وغالبًا يكون في فصل الشتاء وذلك لقصر ساعات النهار والتعرض للشمس بنسبة أقل، وأحيانًا يقوم الأطباء بتعريض المرضى لضوء مخصص لمدة ١٥ إلى ٣٠ دقيقة يوميًا.

٥- الاكتئاب الذهاني

يعاني مريض هذا النوع من أعراض الذهان الآتية:

  • الهلوسة.
  • الأوهام.
  • جنون الشك والاضطهاد.

٦- أنواع شائعة أخرى

هناك عدة أنواع أخرى من الاكتئاب مرض العصر، مثل: اكتئاب ما بعد الولادة، أو ما قبل الدورة الشهرية، أو تغير الحالات مثل تغيير مكان المعيشة أو نمط معين.


ما هو علاج الاكتئاب؟

بالطبع يختلف نوع العلاج الخاص بالاكتئاب مرض العصر، وذلك حسب نوع الاكـتئاب المصاب به المريض، لذلك عند مواجهة بعض الأعراض السابق ذكرها لفترات طويلة فلا بد من استشارة الطبيب، الذي يقوم بدوره بالتشخيص السليم ووصف الدواء اللازم للحالة. يعتمد الطبيب في تشخيصه على الفحص البدني، والاختبارات المعملية، بالإضافة للتقييم النفسي عن طريق طرح بعض الأسئلة على المريض.

كما قد يلجأ الطبيب أحيانًا إلى إجراء اختبارات ذات مقاييس عالمية، مثل مقياس هاملتون أو مقياس بك، وتشمل مجموعة من الأسئلة التي يجيب عنها المريض وتساعد في تحديد طبيعة حالة الاكتئاب وشدتها، وقد يحتاج المريض إلى دخول المستشفى لمتابعة العلاج، أو قد يكتفي الطبيب بوصف بعض الأدوية المضادة للاكتئاب.

أدوية علاج الاكتئاب

في البداية يصف الأطباء مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، حيث أنها أكثر أمانًا، وأقل حدة من حيث الأعراض الجانبية بالنسبة للأنواع الأخرى. تشمل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) سيتالوبرام (سيليكسا)، وإسيتالوبرام (ليكسابرو)، وفلوكستين (بروزاك)، وبارواكسيتين (باكسيل، بيكسيفا)، وسيرترالين (زولوفت)، وفيلازدون (فيبرايد).

كما يصف الأطباء مثبطات امتصاص السيروتونين – نورايبينفرين (SNRIs). تشمل أمثلة مثبطات امتصاص السيروتونين – نورايبينفرين (SNRIs): دولوكسيتين (كيمبالتا)، وفينلافاكسين (ايفكسور إكس آر)، وديسفنلافاكسين (بريتستيك، خيدزيلا)، وليفوميلاسيبران (فيتزيما).

هناك أيضًا مضادات الاكتئاب غير النمطية، ولكن لا تتناسب هذه الأدوية مع أي فئة من مضادات الاكتئاب الأخرى، وهي تشمل البوبروبيون (يلبوترين إكس إل، ويلبوترين أس آر، ألفينزين، فورفيفو إكس إل)، وميرتازابين (ريميرون)، ونيفازودون، وترازودون وفوريوكسيتين (ترينتليكس).

  • مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات:

يمكن أن تكون الأدوية التالية (مثل إيميبرامين (توفرانيل)، ونورتريبتيلين (بامليور)، وأميتريبتيلين، ودوكسيبين، وتريميبرامين (سارمونتيل)، وديسيبرامين (نوربرامين)، وبروتريبتيلين (فيفاكتيل)) فعَّالة للغاية، ولكنها تميل إلى إحداث تأثيرات جانبية أكثر حدة من أحدث مضادات الاكتئاب. لذلك لا توصف ثلاثية الحلقات بشكل عام ما لم يتم تجريب مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) أولًا دون تحسين.

بالطبع لا يجب تناول أي أدوية مضادة للاكتئاب إلا بعد مراجعة الطبيب المتخصص وعمل التحاليل والفحوصات اللازمة. كما أنه لا يجب وقف دواء وصفه الطبيب بشكل مفاجئ، إذ أن هناك استراتيجية للعلاج يجب اتباعها جيدًا بناء على إرشادات الطبيب.

في النهاية يجب أن ندرك أن الاكتئاب مرض العصر فعلًا، ولا يجب الاستهانة به، بل يجب تشخيصه ومعالجته بشكل صحيح حتى لا ينتهي الأمر بما لا يحمد عقباه، حيث أن إهمال العلاج قد يؤدي إلى مشاكل مرضية أخرى، مثل زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، وأمراض السكر، وهشاشة العظام، والصداع النصفي، ومشاكل الذاكرة، بالإضافة إلى إمكانية أن يؤذي المريض نفسه أو أن يحاول إنهاء حياته.

بشكل عام يمكننا أن نتجنب الإصابة بهذا المرض أو أن ننأى بأنفسنا عن الوقوع فريسة له، وذلك عن طريق بناء عادات وسلوكيات صحية سليمة، وممارسة الرياضة بشكل منتظم، والتعبير عن مشاعرنا واعتزال ما يبعث على زيادة التوتر والضغوط والقلق بقدر المستطاع، وقبل ذلك القرب من الله تعالى.

 

تابع موقعنا

تعليقات (1)
  • نادية محمود منذ 10 أشهر رد

    ما شاءالله مقالة رائعة ومفيدة حقا و قد افادتنى كثيراً بالمعلومات القيمة ولا سيما أننى كنت أسمع عن مرض الاكتئاب وكنت أعتقد أنه من خيال من يتحدث عنه وأنه ليس هناك مرض حقيقى أو فعلى إسمه الاكتئاب ، اللهم احفظنا وعافنا واعف عنا واشف كل مريض آمين يارب العالمين.

إغلاق